الإعلان الغربي: عيوبه وسلبياته الأساسية
وبناء على ما تقدم من نقد الدارسين والباحثين للإعلان، يمكننا أن نحصر أهم الانتقادات والعيوب الأساسية الموجهة إليه فيما يلي:
1- أن الإعلان تبذير وإسراف، وأنه لا يساهم في تنمية الثروة القومية والوطنية، لأنه يزيد من تكاليف إنتاج السلعة أو الخدمة أو التسهيلات. [1]
2- أن الإعلان يتلاعب ويعبث بجمهور المستهلكين، ويحاول جاهدا نقلهم من علامة فارقة (ماركة) إلى علامة أخرى دون مراعاة لقيمهم ولثقافتهم ولظروفهم ولأوضاعهم ولمستوياتهم، مما يؤجج بدوره حمى التنافس الاحتكاري بين المؤسسات المعلنة والمنتجة، والذي ينعكس بالضرورة سلبا على جمهور المستهلكين.
3- أن الإعلان غير منتج أصلا، ولا يؤدي أي خدمة للمجتمع، بل [ ص: 57 ] ينصرف معظمه إلى حيل ساحرة وتقنيات جذابة، وفنيات إخراجية براقة لاستمالة جمهور المستهلكين المرتقبين مهما كانت الوسيلة أو السلعة أو الخدمة أو المنشأة.
4- أن المعلنين يؤثرون على وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، ويقومون بتطويعها لخدمة مصالحهم الإعلانية الخاصة دون الانتباه أصلا إلى مصلحة المستهلك، أو إلى دور الوسيلة الإعلانية التي يتم بها التواصل مع الجمهور، مما يؤثر سلبا على الجمهور وعلى دور ووظيفة الوسائل الإعلامية والاتصالية المختلفة في المجتمع. [2]
5- أن الإعلان فشل في الارتقاء بمستوى الذوق العام للفرد والمجتمع، وذلك باستخدامه الرديء لسائر وسائل الإعلام والاتصال، ولسوء تعامله الفني، وسوء تفاعله القيمي والأخلاقي معها.
6- أن الإعلان فشل في استخدام الجوانب المشرقة والإيجابية في وسائل الإعلام والاتصال، التي لها علاقة أساسية بالرقي الأخلاقي للفرد والمجتمع.
7- أن الإعـلان يعمل على خـلق رغبـات جـديدة لـدى الأفـراد لا يستطيعون إشباعها، ويساعد على تنمية تطلعات استهلاكية عالية التكاليف، الأمر الذي يتسبب في عدم استقرار الحياة الاجتماعية والمالية والاقتصادية للأفراد والمجتمعات. [ ص: 58 ]
8- أن الإعلان يركز أساسا على النواحي العاطفية والشعورية لدى جمهور المستهلكين، ويساهم أيضا في خلق تصرفات تدعو إلى التبذير والإسراف والاستهلاك غير الرشيد.
9- أن الإعلان يسبب ضيقا شديدا لدى كثير من المشاهدين والمستمعين والقراء، وذلك بسبب تكرار عرضه أو نشره وقطع البرامج التلفزيونية أو الإذاعية أو الصحفية المكتوبة من أجل بثه، مما يترتب عليه إعراض الكثـير من جمـهور المستهلكين عن الإقبال عليه.
10- أن الإعلان بتكراره وتواجده المستمر على الساحة الإعلامية والإشهارية يحد من حرية الجمهور في اختيار السلع التي يريدها، ويبعده عن السلع التي لم تنل حظها من الإعلان، مما يفقده الكثير من الفوائد والمزايا.
11- أن الإعلان يساعد على انتشار وتوسع القوى الاقتصادية الاحتكارية، لأنه من سمات الأنظمة ذات التوجهات الرأسمالية، بحيث يتخصص لترويج سلع وخدمات وتسهيلات ومنشآت معينة دون غيرها، فتكفل قوة الإعلان الإشهارية استمرارها واحتكارها للسوق كما هو الشأن لدى بعض الشركات العالمية الشهيرة والشائعة.
12- أن الإعلان يستثير في الجماهير -بالدرجة الأولى- شوقها إلى اقتناء كل السلع، والتمتع بكل الخدمات المعلن عنها، والتي [ ص: 59 ] ليست في مقدورها المادي التمتع بها.. والملاحظ من خلال الدراسات الميدانية، أن الطبقات المتوسطة يدفعها الإعلان إلى تقليد الطبقات القادرة اقتصاديا فتنصرف تلقائيا إلى شراء الكماليات وغيرها، بل قد تقبل على سلع وخدمات أخرى بالتقسيط فتربك بذلك التصرف العشوائي انتظام وضعها المالي الأسري، وتحدث الخلل الدائم في توازناتها المالية والاقتصادية والاجتماعية.
13- أن الإعلان يؤدي إلى استخبال وخداع الجماهير، ذلك أن رجال المال والأعمال والإنتاج والإعلان يتعاونون ويتواطئون فيما بينهم، فيخلقون فروقا طفيفة بين السلع والخدمات ويبالغون في إظهار أهميتها عبر حملات النشاط الإعلاني، وهي في حقيقتها فروق وهمية لا تدخل في مضمون وحقيقة السلع أو الخدمات المعلن عنها في شيء.
14- أن الإعلان يتجه أساسا إلى استثارة أدنى الدوافع والغرائز البشرية في الجمهور، ذلك لكون المعلنين يبحثون في إعلاناتهم -بالدرجة الأولى- عما يعجب ويفرح الجماهير، وعما تتلذذ به، وعما يحقق لها القدر الأكبر من المتعة والسعادة. ولأجل ذلك يكثر المعلنون والمصممون والمخرجون الإعلانيون من الصور الخليعة والأفلام الإغرائية، واستخدام الألفاظ الحساسة والمثيرة للغرائز، بالإضافة إلى استخدامهم للإيحاءات والتداعيات المنافية [ ص: 60 ] للأخلاق والذوق العام للمجتمع.
[3]
ولا تعني كثرة العيوب والنقائص الموجودة في الإعلان، وكثرة الانتقادات التي وجهها إليه الاقتصاديون والاجتماعيون والأخلاقيون والنفسانيون، أنه كله عيوب ونقائص، وأنه مجرد جهد باطل لا طائل منه في الحياة الاجتماعية.
فقد بينت الطروحات والانتقادات السابقة أن تدخل الإنسان في صناعة الإعلان، وطبعه لمضمونه وشكله الفني بطابعه الديني والثقافي والفكري والحضاري، هو الذي يمنحه خصائصه ومميزاته، ويطبعه بطابعه الحضاري الخاص.
وما الإعلان إلا عملية اتصال هندسية مجردة، شأنها فنيا وتقنيا شأن أية عملية اتصالية أو إعلامية لها أركانها الرئيسة بدءا من: (المرسل; فالرسالة; فالوسيلة; فالمرسل إليه) ، تتميز بمميزات الجهة المرسلة وتصوراتها العقدية والثقافية والحضارية.
فيكون إعـلانا غربـيا متهتكا وعـاريا عـن القيـم الدينـية والمثل الأخلاقيـة العليا، لأن القائم عليه وثني أو مسيحي أو يهودي التصور والعقيدة والثقافة والحضارة. وهنا -كما نرى للأسف، على [ ص: 61 ] الساحة الإعلانية العربية والإسلامية والعالمية- يساء استخدامه، لأن الجهة المعلنة أو المنتجة أو الاثنين معا تطرحان قيما وتصورات وأفكارا مخالفة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها،
قال تعالى: ( فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) (الروم:32) .
وما دام الإعلان مجرد عملية اتصالية هندسية فنية مجردة، ويبقى تدخل الإنسان فيه بما يحمل من دين وعلم وفن وثقافة ولغة وحضارة، هو الذي يطبعه بطابعه الخاص، ويضفي عليه ملامح خصوصياته ومميزاته، فما يمنع إذن من وجود إعلان إسلامي؟
إعلان إسلامي أصيل: بتصوراته وفلسفته ومضمونه ورسالته الإسلامية المتميزة، ووسيلته الإعلانية المتزنة، ووظيفته الربانية، وغاياته الشرعية، ومقاصده النبيلة... في وقت تعرف الساحة الإعلامية والإعلانية العربية والإسلامية هيمنة مطلقة ومخيفة للنموذج الإعلاني الوثني الغربي عليها، وتدفقا استخرابيا غازيا يهدف إلى تقويض آخر ما تبقى من حصون الممانعة والصمود القيمي، في البلدان العربية والإسلامية للفرد والمجتمع.
هذا إن لم يعد من الحتمي لأمة القرآن ضرورة وجود الإعلان الإسلامي الأصيل، لضمان مواطئ الشهود لها في القرن القادم على الساحة الإعلانية العربية والإسلامية على أضعف تقدير. [ ص: 62 ]