الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الإعـلان من منظـور إسلامي

الدكتور / أحمد عيساوي

الإعلان شكل فني إبداعي

إن النشاط الإعلاني -كما أوضحنا- ليس دعوة تسويقية أو رسالة موجهة من منتج أو معلن إلى جمهور المستقبلين للإقبال على السلع والمنتجات المعلن عنها فقط، بمقدار ما هو اختزال وتجميع وتفاعل لمجموعة من العوامل العقدية والروحية والثقافية والفكرية [ ص: 163 ] والتربوية والتعليمية واللغوية والاجتماعية وغيرها بانسجام وتكامل، لتعبر بصدق عن حقيقة الجهة المنتجة والمعلنة معا.

ولا يمكن أن تبرز هذه العوامل بروزا فاعلا ومؤثرا إلا إذا توفرت لها المكونات الفنية التالية:

الخطوط. الرسوم. الأشكال. الأبعاد. الحجم. المساحة. الخيال. الصوت. الظل. الجرس. اللحن. الفكرة. التصميم. الإخراج...إلخ.

ذلك أن الإعلان شكل من أشكال الإبداع الفني الجميل، وابتكار فكري وذهني بديع، يجلب إليه انتباه الجمهور المستقبل ببراعة تكوينه الفني، وبنوعية التشكيلة الجمالية المنسجمة فيه، وبسحر جاذبية ألوانه وأنغامه وكلماته، ودقة إخراجه.

وهذا المستوى الفني العالي لا يصله إلا من تمكن من الموهبة الفنية الإبداعية، وألم إلماما تاما بكل القواعد الجمالية للفن، والأصول العلمية للإعلان، والمعرفة الكافية بالأساليب والتقنيات الفنية والنفسية اللازمة للتأثير في نفسية الجمهور المستقبل، حيث إن الإمكانات الفنية في الإعلان هي وحدها التي تستطيع إخراج أفكار الإعلان ضمن أشكال مادية معينة، ثم تعرضها على الجمهور المستقبل بهدف إحداث التأثير المطلوب فيه.

ولكي تستطيع الرسالة الإعلانية أن تؤثر في الجمهور المستقبل لتقنعه بما جاء فيها من دعوة للشراء أو للتعامل، ثم تحمله على الإقبال [ ص: 164 ] الطوعي نحوها، لا بد له أن يعد بشكل فني مثير للانتباه ومحفز للاهتمام، مما يؤثر تأثيرا بالغا في الجمهور المستقبل، فيـجذبه لقـراءة أو سماع أو مشاهدة الرسالة الإعلانية.

وإذا لم تستطع تشكيلة الإبداعات الفنية المتضمنة في الإعلان أن تقنع الجمهور المستقبل لتجذبه إليها بتقنياتها وإبداعاتها الفنية، فإنها تنعكس على قيمة الإعلان الفنية أولا، وعلى المنتج والمتعامل ثانيا، كما تترك تأثيرا سلبيا في نفسية الجمهور المستقبل ثالثا.

والفن الإسلامي الأصيل يرى أن مظاهر الجمال والقبح والسرور والبهجة والفرحة، مداخل جيدة وناجحة للنفوس السوية المستقيمة، ومنافذ حية للقلوب الطيبة القويمة، ومفاتيح إخراجية جذابة لجمهور المستقبلين، تتجلى بعض من أفكارها في معالم التنزيل التالية:

( والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ) (ق:7)

( وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ) (النمل:60) ،

( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين ) (الحجر:16) ،

( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) (النحل:8) ..

فالبهجة والحسن والسرور والزينة والجمال والبهاء والروعة، مداخل قرآنية راقية وطاهرة للإخراج الفني الإسلامي النبيل.

وهذا الجذب والتأثير، وإن كان يستند إلى التصورات والقيم [ ص: 165 ] الفلسفية الإسلامية، إلا أنه لا يكون ناجحا في العصر الحديث بغير توافر الإمكانات الفنية والتقنية الحديثة، بالإضافة إلى توفر قدرة التحكم فيها، وفي كل فنياتها وتقنياتها المتنوعة والمتجددة، لأن الإمكانات الفنية والتقنية في تطور دائم ومستمر، وفي تنام مضطرد، فنا وتجربة وعلما، ولذا فقد تتبدل فكرة إخراج إعلان اليوم عن سابقه ولاحقه تبعا للتطور العلمي والفني المذهل.





[1]

وإذا أمعنا النظر في آيات القرآن الكريم، لوجدنا أن أحد وجوه الإعجاز الرئيسة فيها هو جذب الانتباه الإنساني إليها، وتحريك الوعي بالبدايات المثيرة والملفتة، فكثير من سور القرآن الكريم كانت بداياتها الأولى تثير حالة من اليقظة والتساؤل في العربي البدوي، وتحرك بقوة وبعمق وبدقة متناهية كوامنه العاطفية والنفسية، كما كانت تثير إحساسه اللغوي ووعيه العقلي بمدلولاتها العميقة:

( الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه ) (البقـرة:1) ،

( كهيـعص ) (مـريم:1) ،

( ن والقلم وما يسطرون ) (ن:1) ..

فالحروف عربية مما يألفه الناس ويحركون به ألسنتهم.. ولكن الإعجاز في التركيب، وفي البداية المحركة للانتباه والملفتة للحس اللغوي والعقلي، والملفتة لهذا [ ص: 166 ] الكتاب المبـين، جعلت العرب يتعجبون من سحر بيانه، وبراعة أسلوبه، ودقة تركيبه، وجمال صوره، فأقبلوا عليه نتيجة إعجابهم البلاغي بسحره الأخاذ، حتى وصفه بليغهم بقوله: (... وإن أعـلاه لمثـمر، وإن أسفـله لمغـدق، وما هو بقـول البـشر، وما ينبغي أن يكون كلام البشر...) . [2] وعليه، فإنه يتعين على الإعلاني الإسلامي إدراك حجم وحقيقة المسئولية الفنية والتقنية الإخراجية الملقاة على عاتقه، فنيا وشرعيا، لأن الفن شأنه شأن أي وسيلة علمية أو إعلامية محايدة، كل مستخدم له يصبغه بصبغته.. ومن هنا وجب على الإعلاني الإسلامي استغلاله لخدمة الإسلام والمسلمين. [3] وعليه، فإنه يجب على الإعلاني الإسلامي إدراك ثلاثة أمور هي:

1- فهم طبيعة وظروف وأوضاع ونفسيات الجمهور المسلم المستقبل.

2- فهم طبيعة الرسالة الإعلانية الإسلامية الموجهة إلى جمهور المستقبلين المسلمين وغيرهم، ولا سيما من الناحية الفنية.

3- التمكن الجيد من النواحي التعاملية الشرعية الاجتماعية والثقافية والتربوية والتعليمية والاقتصادية.

وختاما لهذا كله، فإن الرسالة الإعلانية الإسلامية بكل أجزائها [ ص: 167 ] الرئيسة بدءا من: العنوان، الفكرة، فنص الرسالة، فرسومها، فخطوطها، فعلامتها الفارقة، فألوانها، فألحانها، فحجمها، فمكانتها، فمدتها... عملية فنية محضة، ولا يمكن أن تكون غير ذلك، والجانب الفني فيها هو المجال التجسيدي الذي يبرز أفكار وقيم وتصورات الإعلان الإسلامي من الحيز النظري إلى الحيز الواقعي.

التالي السابق


الخدمات العلمية