الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الإعـلان من منظـور إسلامي

الدكتور / أحمد عيساوي

(5) مبدأ مشروعية الرموز والفنيات

يحفل الإعلان الغربي بحشد هائل ومتحرك من الكلمات الجذابة الأخاذة. كما يحفل كثيرا بالزخرفة والبريق، والأضواء، والألوان، والحيل الإخراجية، وتوظيف كل الأشكال الجميلة والمحببة لجمهور المستهلكـين... وذلك بغـرض خلـب ألبـابهم، وتعريفـهم بالسـلع أو الخدمات أو التسهيلات أو المنشآت التي يعلن عنها، ودفعهم للإقبال على اقتنائها، أو التعامل معها لتحقيق الربح السريع.

ويعود سبب توفر هذا الحشد الهائل من الرموز، والتزاحم المعقد في الفنيات، لأن الإعلان الغربي ينطلق أساسا من الفلسفة الإعلامية والإعلانية الغربية، التي تسعى لإرساء أطرها الثقافية الليبيرالية الوثنية. فكل ما هو جميل أو غير جميل، أو مألوف أو غير مألوف، أو مقبول أو مستهجن، يحلو للوكالة الإعلانية توظيفه توظفه دون مراعاة للذوق العام المحلي، الذي فسد بفعل الكثير من التآكل القيمي لملكة الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والذوق العالمي الذي اعتراه الكثير من التآكل والإفساد القيمي أيضا. [ ص: 92 ]

والإعلان الإسلامي في جانبه الإخراجي التقني، والهندسي الفني، والمادي المجرد، صنو للإعلان الغربي، ولكنه من حيث الرسائل، والمضامين، والرموز (اللغوية، والثقـافية، والتراثية، والدينيـة، والروحية والاجتماعية، والأخلاقية، والتربوية...) يختلف اختلافا جذريا عن الإعلان الغربي. وذلك عائد بالأساس لكونه ينطلق من فلسفة إعلامية وإعلانية إسلامية، لها خصائصها، ومميزاتها، وتصوراتها الشرعية للرمز والصوت، واللون، والحركة، ولطريقة توظيفه، ولغاية ومقصد استعماله.

إن وكالات الإعلان الإسلامي مطالبة -من خلال نشاطاتها الإشهارية المحلية، والإقليمية، والعالمية - باستيفاء كافة التقنيات الإخراجية، واستخدام كافة الطرق الفنية الجميلة والمألوفة، وتوظيف كافة الرموز المتاحة فنيا، بعد إضفاء الوجهة الشرعية على مكوناتها الفنية والرمزية، لدعوة الجمهور بعقلانية وموضوعية للتفاعل معها، وإيجاد التأثير الإيجابي في نفسية جمهور المستهلكين، وخلق الاستجابة المناسبة للإقبال على السلعة أو الخدمة. ولكن ليس بالطريقة الغربية الإخراجية المتوحشة، والفنية الصارخة، والتقنية الصاخبة، العارية عن كل القيم والمثل العليا.. ذلك أن المعلن المسلم معني بالدرجة الأولى بإضفاء خاصية المشروعية على الرموز التي يستخدمها، لكونه المسئول الأول أمام الله تعالى، وأمام تعاليم دينه الإسلامي، وأمام المجتمع الإسلامي خاصة، والأمم المدعوة عامة. [ ص: 93 ]

وعلى وكالات الإعلان الإسلامي التأكد من صلاحية الرموز ومدى تلاؤمها مع الشرع الإسلامي، وذلك بالتأصيل الشرعي لها، ولطرقها الإخراجية، وفنياتها الإبداعية. فالكلمات، والألوان، الرسوم، والأصوات، والألحان، والأنغام، والإخراج الفني، وغيرها، يجب أن يكون مقيدا بضوابط الشارع الحكيم، فلا يجوز مثلا استخدام الكلمات الخبيثة العارية عن القيم الدينية الفاضلة،

لقوله تعالى: ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ) (إبراهيم:24-26) .

وهنا يتجسد بوضوح الامتثال الشرعي في اختيار الكلمات الطاهرة، التي يجب على الإعلان الإسلامي أن يوظفها في مضامينه ورسـائله بمقابل سيل الكلمات الخبيثة التي تتدفق بها الإعلانات الوثنية الأخرى.

كما لا يجوز له على سبيل المثال استخدام الحركات الراقصة والمبتذلة التي يقوم بها بعض الفتيان والفتيات، لحرمة المؤدي إلى الحرام، حيث هو حرام مثله، ولإخلال ذلك بمبدأ الكرامة الإنسانية، ومبدأ مشروعية الرموز، والوسيلة، والمقصد. [1] [ ص: 94 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية