(1) مبدأ تسخير الإعلان لإحقاق الكرامة الإنسانية
خلق الله الإنسان وأنزله على الأرض ليعيش فيها، وسخر له كل ما فيها من موجودات ومخلوقات وفق نظام تسخيري متناسق بينه وبينها. وقد أخبرنا المولى تبارك وتعالى عن تلك الحقيقة التسخيرية، وعن طبيعة الترابط السنني الحتمي بين الإنسان وسائر المسخرات في العديد من المواضع القرآنية،
حيث قال سبحانه وتعالى مبينا حقيقة ذلك التسخير: ( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) (النحل:14) . [ ص: 76 ] كما عبر عن ذلك التسخير أيضا في العديد من المواضع القرآنية، لتغدو حقيقة التسخير الإلهي سنة إلهية مودعة في جبلة الأشياء، ومنطق المخلوقات، وطبيعة الموجودات أثناء تفاعلها التسخيري مع الإنسان. [1]
فإذا كانت المخلوقات والموجودات مسخرة لخدمة هذا الإنسان، فإنه من المنطقي والطبيعي أن تخضع سائر الإبداعات والمنتجات البشرية لخدمته أيضا. وما الإعلان الإسلامي إلا مجالا من مجالات الاتصال لتحقيق وظيفة الاستسخار الإلهي للإنسان في الأرض.
وإذا كان الغذاء والكساء والسياحة مظهرا من مظاهر التسخير الإلهي المباشر للإنسان، وإذا كانت الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وسائر قوى الطبيعة مسخرات من أجل خدمة الإنسان وتذليل صعوبات الحياة له، فإن الإعلان لا يعدو أن يكون إبداعا بشريا ترتسم من خلاله معالم التسخير الإلهي لسائر هذه المسخرات في الحياة، وليضفي على نفسه -شكلا ومضمونا- طابع المشروعية بحمله [ ص: 77 ] لمسئولية تذليل مواطن المسخرات للإنسان، على عكس ما يمارسه ويجسده الإعلان الوثني، الذي يتردى فيعكس منطقية المعادلة بين سائر المسخرات والمسخر له. وبذلك المنطق المعوج والمناقض للفطرة السليمة، يصبح الإنسان عنصرا من عناصر الاستخسار بعد أن كان هو مناط ومآل الاستسخار.
ثم إن سننية التسخير الربانية، التي أودعها الله في صميم حياة الإنسان، تتأسس على مبدأ إلهي عظيم آخر، أودعه الله في سلم ترتيبه لسائر مخلوقاته، التي ينتظمها تسلسل وترتيب إلهي كامن في طبيعة تكوينها من جهة، وفي دورها المنوط بها تسخيرا أو استسخارا من جهة أخرى، والذي وفقه تتحدد درجتها ومكانتها وكرامتها، والتي تبوأها الإنسان فاحتل منها الموقع الأول. وقد عبر المولى تبارك وتعالى عن تلك الحقيقة التكريمية في الكثير من المواضع القرآنية،
حيث قال: ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) (الإسراء:70) .
وانطلاقا من تكريم المولى تبارك وتعالى للإنسان، ووضعه فوق سائر الموجودات والمخلوقات، فإن الوكالة الإعلانية الإسلامية مدعوة أثناء إنجازها وتصميمها للإعلان الإسلامي أن تجسد فيه – بدقة ووضوح- سنتي التسخير [ ص: 78 ] والتكريم الإلهي للإنسان، وأن تخالف صراحة المنطق الإعلاني الوثني الذي يجعل من الإنسان المكرم مجرد موجود من الموجودات أو شيء من الأشياء المادية المسخرة.
وإذا التزمت الوكالة الإعلانية الإسلامية أثناء إخراجها لمثل هذه الإعلانات الإسلامية المتميزة، فإنها تكون بتجسيدها لهذا المبدأ قد جعلت من الإعلان مجالا حقيقيا وطبيعيا للتنمية المادية والروحية للإنسان وللإنسانية، على العكس من الإعلان الغربي والوثني الذي يسخر الإنسان من أجل الموجودات المادية فقط.
فالإعلان على سلعة من السلع كالعطور أو الصابون مثلا، نجدها تختلف اختلافا جذريا بين الفلسفتين الإعلانيتين الوثنية والإسلامية، حيث تستخدم الفلسفة الإعلانية الوثنية الإنسان -ممثلي الإعلان من النساء والرجال- استخداما استسخاريا، مسقطة من قدره ومكانته، بحيث تجعل من المرأة مجرد سلعة أمام سلع تروج لها من أجل دفع جمهور المستهلكين الحقيقيين والمرتقبين للإقبال عليها واقتنائها فقط. وفي حقيقة ذلك هبوط مخل بقدر ومكانة المرأة من جهة، وحط لكرامتها وآدميتها من جهة أخرى، وتحقير لكرامة الرجال المحيطين بها في عالم الإعلان أيضا من جهة ثالثة.
وكذلك الأمر في سائر الإعلانات عن السلع أو الخدمات أو التسهيلات أو المنشآت: إهدار لكرامة المرأة، وحط لآدميتها، [ ص: 79 ] وامتهان لمكانتها الرفيعة.
[2]
في الوقت الذي تتوخى فيه الفلسفة الإعلانية الإسلامية -أثناء تصميمها، وإخراجها الإعلاني- إبراز المعالم الكبرى لسنتي التسخير والتكريم الإلهي للرجل والمرأة على حد سواء.