ثانيا: المكونات الثقافية للإعلان
أظهرت نتائج الدراسات التحليلية لعدد كبير ومتنوع من الإعلانات الغربية والإسلامية، تشبع هذه الإعلانات بالمعايير والقيم والسمات والأنماط الثقافية، وادخارها لمخزون ثقافي هائل من القيم [ ص: 148 ] الثقافية المادية السلوكية، والروحية المعنوية.
فقد كشفت الدراسات أن أي إعلان مهما صغر حجمه، وضؤل موضوعه، وقلت رموزه، وتسارعت دقائقه، فإنه مجال زاخر بالمحتويات الثقافية، وفضاء مشبع بالقيم والمعايير والسمات والأنماط الثقافية، مثل الرموز اللغوية المسموعة والمكتوبة، وإشارات التخاطب، وإيماءات وحركات المتحاورين، وفنية الرسم والكتابة، وإبداعية التلوين والتزيين والتجميل.. بالإضافة إلى تشبعه بالعناصر الثقافية الأخرى من سمات عمرانية وهيكلية مادية، وأنماط سلوكية ومعنوية، وعادات وتقاليد وأذواق وأزياء، وطرق للتعامل والسلوك، ومناهج للتفكير والتنظيم..
وقد أظهرت تلك النتائج أن مكونات الإعلان الثقافية، هي:
1- السلعة في حد ذاتها نمط من أنماط الثقافة (غذاء. شراب. دواء. لباس. زينة..) .
2- حجم ومقاس وشكل الإعلان، الذي يختزل السمات والأنماط الثقافية الهندسية والعمرانية المادية، كأن يكون: مربعا، مستطيلا، دائرة... والسلوكية في حالة كون الإعلان مسمـوعا أو مرئـيا كأن يكون: حـوارا، رأيا، خـلاصة تجـربـة، فكـرة ممارسـة، حركة، مهارة...
3- نمط الإعلان يخضع لتأثير البيئة والموقع الجغرافي والمناخ، ولتأثير المخزون التراثي والتاريخي. [ ص: 149 ]
4- لغة الإعلان وطريقة التخاطب ورموز الكتابة، وطريقة رسم الحـروف، والإشـارات، والحركـات، وغيـرها من الرمـوز والعنـاصر الثقافية.
5- الألوان المستعملة في صياغة الإعلان ومدلولاتها التراثية، ورموزها الجمعية المشتركة.
6- الأزياء وأشكالها وألوانها ودلالاتها، وعوامل حفز الجمهور المستقبل والمستهلك للإقبال عليها.
7- طريقة الشرح والإيضاح والإيحاء والإيماء في الممارسة الإشهارية، هي أيضا نمط ثقافي، وكذلك حركة العارضين وسلوكاتهم الاجتماعية.
8- نوعية السلع والمنتجات، وما تشبعه من حاجات، وما تلبيه من رغبات، نمط ثقافي لمجتمع معين، كدلالة هدايا عيد ميلاد المسيح ورأس السنة الميلادية لدى المسيحيين، وغيرها..
9- الأغاني والأهازيج والأنغام والمعزوفات الموسيقية للإعلان، تجسيد لثقافة اجتماعية معينة.
10- السلع والمنتجات، نتاج عادات وتقاليد وأعراف ثقافية جمعية لمجتمع معين.
11- سعي الإعلان الحثيث لحفز جمهور المستقبلين للتعامل معه والإقبال عليه، نمط ثقافي. [ ص: 150 ]
12- السلع والمنتجات، تجسيد لذوق ثقافي معين يتناسب والبنى الفكرية والأسس العقدية، والممارسات السلوكية والأخلاقية العاكسة لثقافة مجتمع ما.
وعلى هذا الأساس، صار من الضروري على الإعلان الإسلامي الإلمام الكافي والشمولي والدقيق بالمكونات والعناصر والدوافع الثقافية السائدة في المجتمع المتوجه إليه إعلانيا، ضمانا لنجاحه وما يعلن عنه. ولعل غياب مثل هذه الحقائق الثقافية عند كثير من المعلنين والمتعاملين والمنتجين في بعض المجتمعات، هي السبب الرئيس في عدم فاعلية تأثير الإعلان الإشهارية في الجمهور المستقبل. [1]
فإذا كانت الثقافة أساسا نظريا وبعدا عمليا لمحتويات الإعلان، فهي بحق جسر النجاح بين المعلن وجمهوره.
ولهذا وجب على المعلنين الإدراك التام للفروق الثقافية للمجتمعات، لأن تعاملهم الإشهاري ليس إلا تعاملا مع ثقافات وقيم الشعوب. فالسلعة أو الخدمة بدءا بصناعتها وتغليفها وتخزينها، وشحنها وتوزيعها، والترويج لها لتسويقها، وإقبال الجمهور المستهلك عليها واستهلاكها، كلها تمر عبر مراحل وبوابات ثقافية، ولو شذت عن ثقافة الجمهور لرفضها وأعرض عنها.
وعليه، فإن الجهل بالقيم السائدة والثقافات المسيطرة لدى شعب [ ص: 151 ] من الشعوب، لا يؤدي فقط إلى فشل الإعلان وحده، بل يؤدي إلى ردود فعل سلبية من الجمهور المستقبل. [2]
والمتمـعن في الممارسـات الإشهـارية للإعـلان الغـربي، يجد أنها ساهـمت بشكل أو بآخر في عملية الغزو الثقافي للمجتمعات الإسلامية، وذلك بما تبـثه من ثقـافـة غربـيـة وثنـيـة معـاديـة للقـيـم الإسلامية.
وأمام هذا الغزو الإشهاري الثقافي الغربي للفرد والمجتمع المسلم، يتوجب على الإعلاني الإسلامي أن يراعي خلال صياغته للإعلان، التأكيد على حضور القيم الثقافية الإسلامية فيه، مثل:
1- أن يحتوي الإعلان على سبل التعامل وطرق الممارسة الشرعية، ومناهج السلوك القويمة لتلبية الحاجات وإشباع الرغبات.
2- أن يحتوي الإعلان على السمات والأنماط والقيم الثقافية الإسلامية المخالفة للعادات والتقاليد الغربية الوثنية.
3- أن يحتوي الإعلان الإسلامي على التفسيرات والتوضيحات الشرعية المقنعة لتساؤلات الجمهور الإسلامي حيال السلع والخدمات المعلن عنها.
4- أن يجسد الإعلان في مضامينه بعضا من كليات التصور الإسلامي، وأن لا يخالفها البتة. [ ص: 152 ]
5- أن يتضمن الإعلان مكونات الثقافة الإسلامية في الرموز والأفكار والرسائل وتقنيات الإخراج، ويعزز شعور الفرد المسلم بالانتماء الجمعي لها.
6- أن يقاوم عبر ممارساته الإشهارية كل أشكال الغزو الثقافي المعادي للأمة الإسلامية.