خاطرات في قضية التعريب
الكثير الكثير مما أسلفته إجمالا ينطبق على المصطلحات في مختلف المجالات التقانية والعلومية المختلفة، ولا بأس من إضافة الخواطر التالية:
أ- اللغات الأوروبية الحديثة اعتمدت في صياغة مصطلحاتها العلمية والطبية أساسا على المكونات اليونانية واللاتينية. ويتساءل الكثير من العلماء في الغرب: «أين كانت تكون لغانا العلمية لولا هـذه الجذور»؟ نحن في العربية عمدنا إلى ترجمة هـذه الجذور في الغالب مع شيء من الاجتهاد.. لكن ينبغي التنبه إلى أن بعض المكونات اليونانية واللاتينية قد تتشابه شكلا وتختلف معنى؛ وقد تخـتلف هـذه الجذور ومـداخلها وتعني الشيء نفسه.
يعني لا بد من التدقيق في أصل الجذر أو الجذور المكونة أو شبهها ومعناها، وطبعا سياقها لصوغ المقابل العربي الصحيح؛ مع ملاحظة أنه أحيانا يحول السياق الوضعي دون إمكانية هـذا التطبيق.
ب- أحيانا هـناك مصطلحات أجنبية تعارفنا في العربية على أكثر من معنى واحد لها؛ وأحيانا يحمل اللفظ الأجنبي نفسه معنيين متباعدين، فيخلط المترجم بين السياقين بشكل لافت.
ج- أحيانا يكون المصطلح الأجنبي منسوبا إلى اسم، والاسم يحمل أن يكون لفظا لغويا، فيترجم عندنا بمعناه اللغوي.
د- الدقة الأدائية للمصطلح تتطلب معرفة دقية علمية ولغوية وموسوعية قد لا تتوافر جميعها للعلماء أو للغويين أحيانا.
ه- أحيانا واضع المصطلح يترجم من لغة إلى لغة لم يتلق علومه بها. [ ص: 118 ] فالذي درس بالإسبانية أو الروسية أو حتى الفرنسية يصعب عليه أحيانا فهم المصطلح الإنكليزي، وهو إن كان يترجم إلى الإنكليزية فقد يصوغ المصطلح بشكل لا يتفق وقواعد تلك اللغة. والواقع أن الذي يقوم بمحاولة الصياغة المصطلحية في مثل هـذه الحالات يكون قد خالف أولى مواصفات المترجم، كما وضعها الجاحظ في بيانه، وكررها، مع شيء من التوسيع «ابن أبي أصيبعة» في طبقاته منذ عدة قرون، بأن يكون القائم بالترجمة أو وضع المصطلح «ذا علم واف باللغتين، أعلم الناس باللغة المنقولة (لغة الأصل) واللغة المنقول إليها (لغة الهدف) ، حتى يكون فيهما سواء وغاية، وأن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة». لذلك نريد من المصطلحي موسوعة مصغرة في موضوع اختصاصه وفي لغتي الأصل والهدف!