الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
من أجل تعريف ملائم للتعريب

أ- التعاريف القديمة: «التعريب: قطع سعف النخل، وهو التشذيب. وتعريب الاسم الأعجمي: أن تتفوه به العرب على مناهجها، تقول: عربته العرب وأعربته أيضا». [1] والتعريب: «الإعراب... والتبيين والإيضاح...» [2] .. والمعرب: «هو ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعان في غير لغتها... قال أبو حيان في الارتشاف: الأسماء الأعجمية على ثلاثة أقسام: قسم غيرته العرب وألحقته بكلامها، فحكم أبنيته في اعتبار الأصلي والزائد والوزن حكم أبنية الأسماء العربية الوضع، نحو: درهم وبهرج.. وقسم غيرته ولم تلحقه بأبنية كلامها، فلا يعتبر في القسم الذي قبله، نحو آجر وسفسير. وقسم تركوه غير مغير... ». [3] [ ص: 133 ] والتعريب: «صبغ الكلمة بصبغة عربية عند نقلها بلفظها الأجنبي إلى اللغة العربية» [4] . وهو أيضا: « إدخال لفظ أعجمي إلى اللغة العربية بعد إخضاعه لوزن من أوزان العربية، بنقص أو زيادة، أو قلب نحو: «فنجان» معرب «بنكان» - فارسية -...» [5] يبدو من خلال هـذه التعاريف أن جهود التعريب قديمة قدم الحضارة العربية، التي ظلت منفتحة على الأمم الأخرى. وآية ذلك استخدام الشاعر الجاهلي امرئ القيس للفظتي «الدمقس» وهو القز الأبيض، و «السجنجل» وهي المرآة بالرومية في قوله من المعلقة:

فظل العذارى يرتمين بلحمها وشحم كهداب الدمقس المفتل

وفي قوله أيضا من المعلقة نفسها:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة     ترائبها مصقولة كالسجنجل

بل إن «ابن النقيب» يوضح في تفسيره أن: «من خصائص القرآن على سائر كتب الله المنـزلة، أنـها نزلت بلغة القـوم الذين أنزلت عـليهم، ولم ينـزل فيها شيء بلغة غيرهم. والقرآن احتوى على جميع لغات العرب، وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير» [6] بعد أن [ ص: 134 ] شذبها وألبسها الأثواب العربية القشيبة، فانصهرت مع أخواتها العربيات، وتمتعت بكامل حقوقها، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.

ب- التعاريف الحديثة: لقد أورد صاحبا «المعجم المفصل في علوم اللغة» تعريفا محدثا للتعريب قائلين: «وللتعريب أيضا، معنى محدث، هـو النقل من لغة أجنبية إلى لغة عربية» [7] وهو لعمري تصور بسيط يربط التعريب بإحلال اللغة العربية محل اللغة الأجنبية، من دون أن يتجاوز النقل إلى التفكير في السبل الكفيلة بتعميم العربية «واستخدامها في كل ميادين المعرفة البشرية، وفي كل المظاهر الإنسانية والاجتماعية والفكرية، فتصبح العربية لغة التعليم والبحث العلمي، ولغة الكتاب المدرسي، ولغة الحديث في الشارع، وفي التخاطب داخل المجالس العلمية... ولتصبح اللغة العربية اللغة الرئيسة في الإنتاج الفكري والمادي، وفي تسيير مختلف المؤسسات والمرافق الاجتماعية، ولغة التعبير عن الرؤى والتصورات للكون وللمجتمع، ولغة التفكير والإفصاح عن حاجات الأمة وطموحاتها». [8] وبهذا يصبح التعريب الحق جزءا من إشكالية العلاقة بين العربية الفصحى، وبين التنمية الشاملة، وهو المفتاح الذي يسمح بأن تؤتى البيوت من أبوابها، وأن «يمنح للغة وللثقافة، بل وللمجتمعات العربية مكانتها [ ص: 135 ] الكونية المتميزة بالجدارة والاستحقاق. وحينذاك لن تقبل هـذه المجتمعات أن يتم التحدث عنها بالنيابة، بلغة غير لغتها العربية، ولا أن تطلب هـي نفسها تنمية بالواسطة، بل انطلاقا من مقوماتها الذاتية، ومن أهمها اللغة الوطنية» [9] التي يجب أن تكتسح المجالات التي تصول وتجول فيها اللغات الأجنبية، وتردها على أعقابها حسيرة لم تنل قطميرا. وبمثل هـذه الثورة الثقافية الشاملة، يصبح التعريب بمثابة الرهان «الذي سيحدث فعلا ثورة في أعماقنا، ويقلب أوضاعنا الاجتماعية والثقافية رأسا على عقب، ليس مجرد إحلال اللغة العربية محل اللغة الفرنسية في التعليم والإدارة والوظائف المكتبية، بل التعريب الذي يمتد بقوة وفعالية إلى مختلف مرافق الحياة العامة» [10] .

إن المشروع العروبي يجب أن يكون الابن الشرعي للكيفية التي تحدد بها المجتمعات العربية مستقبلها، اعتمادا على المؤسسات المتوفرة. ولا بد أن تنهض هـذه السياسة على مبادئ الهوية الثقافية القومية الشاملة، وعالمية التقدم والمعرفة التي لا تعترف بالنقاشات الكسولة التي تخوض في قضية التوازنات اللغوية لأجل امتلاك سراب السلم اللغوي الفاسد، الذي لا يحترم الدور الخلاق الذي يجب أن تضطلع به العربية الفصحى، حتى لا تبقى عرضة للتهميش والإقصاء من قرية العولمة التقنية والاقتصادية الماحقة. [ ص: 136 ] إن التعريب بهذا المفهوم يعد نوعا من «اختيار الخطط، وتوفير الظروف والآليات الملائمة للتعليم الموفق، بما فيها الظروف النفسية والبيئية التي تمكن من تعليم لغوي فاعل، لايؤدي إلى الانفصام والاضطراب، وإفساد الأهداف المتوخاة، بما في ذلك تعطيل إنضاج الملكة اللغوية في اللغة الوطنية الرسمية، التي يئول إليها دور الإنماء اللغوي والمعرفي والفكري/ التفكيري، وإيصال المعارف وتوطينها، وتوطين التقانة... والتفعيل الإجرائي والرمزي، والإصهار المجتمعي للغة في محيط منسجم وموحد، لا ينفي التنوع» [11] .

إن أي تأجيل لهذه الأسبقية المتمثلة في تعريب الفكر وقوالبه، مع إكساب الثقافة العربية مضمونها العروبي، الذي يأخذ السهم الأهزع من كنانتها ليطرد به الجيوش الجرارة التي تركب السخبر لاحتواء الحصون والقلاع حتى تردي العربية شـجرة زيزفون تزهر ولا تثمر، أو كالكشوث، لا أصـل ولا ظل ولا ثمر وقانا الله شر هـذه العاقبة التي نعدو نحوها في قادمات الأيام. إن التعريب الناجع يجب أن يشمل المرافق الآتية:

- تعريب المضمون الذي يتغيى ترسيخ البعد الثقافي الحضاري في المؤسسة التعليمية العربية.

- تسريب مضمون التعريب إلى جميع مظاهر الحياة، ليشمل لغة الخطابات والأحاديث الخاصة والعامة.

- تعريب دنيا المال والاقتصاد والثقافة. [ ص: 137 ] وبتعبير أوفى: إن التعريب في هـذه الظروف «أشبه بالعملية الجراحية الخطيرة، لا تحتاج لأكثر من أيد تتحرك، وأعين تتابع سير العملية، ولن يتم لها النجاح بأيد مرتعشة، وأعصاب متوترة.. إن العملية تحتاج الى طول نفس، وسعة صدر، وتحكم في الأعصاب... ومطاردة بقايا الاحتلال بعد انسحابه الشكلي». [12]

التالي السابق


الخدمات العلمية