الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ج- ضحالة التأليف المدرسي المقرون بالتشويش على الفصحى

إن من ينظر بعين الحق والإنصاف يلاحظ أن المتعلمين باللغة العربية أقل تحكما في المعلومات من المكونين باللغات الأخرى، والسـبب في نظرنا لا جريرة فيه للغة العربية، فهي غير مقصرة عن أداء مهماتها، وإنما الذنب كل الذنب في محتويات كتبنا المدرسية، وفي الطرق التربوية التي نبلغ بها المعرفة، وفي التعميمات المتسرعة التي نطلقها جزافا، وفي الفقر المعجمي الملحوظ بالنسبة إلى كل حقل من حقول المعرفة، إلى درجة أن كبار الأدباء يجدون صعوبة في التعبير عن كل محتويات أقرب الأمكنة إليهم، مثل الحمام، والمكتب، والمطبخ... أما بالنسبة إلى التعميم المتسرع، فإن أغلب المتخرجين من الشعب العلمية يجهلون أن الثور مثلا لا يدرك العالم إلا على مستوى الأبيض والأسود، بل إن أغلبهم يندهشون لمثل هـذه المعرفة التي لم يكن لهم سابق إطلاع عليها. وإذا انتقلنا إلى التشويش اللغوي فالأمر أدهى وأمر من أن يدرك رتقه، حيث إن الذي يبنيه مدرس القواعد العربية، يهدمه مدرس الرياضيات والعلوم الطبيعية والفيزيائية. ولكي لا أذهب في ما أقول من دون نصوص وشواهد تثبت مصداقية هـذا الرأي، أجتزئ من بعض الكتب المدرسية هـذه الأمثلة: حيث إن الكأس في كتب القراءة مؤنثة، غير أنها في كتب النشاط العلمي والرياضيات والتفتح التقني وغيرها ترد مذكرة. وفي كتاب القراءة للسنة الرابعة من التعليم الأساسي، في عنوان: «الحشرة الأعجوبة»، نجد [ ص: 163 ] خلطا في تسمية المكان الذي يأوي إليه النمل. فهو تارة: المسكن، كما أشار إلى ذلك رب العزة في القرآن:

( قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) (النمل:18) ،

وتارة أخرى «العش» كما يتضح من الجملة الآتية الواردة بالصفحة 77 من الكتاب: «ثم تجرها فريسة سهلة مستسلمة إلى العش»، متناسين أن العش للطائر، ولا يكون كذلك إلا إذا بني فوق الشجر، وإلا فهو: « وكن أو: وكر ».

أما الاصطلاح الحقيقي لمأوى النمل فهو: «القرية» أو «المسكن» كما جاء في القرآن. وفي عنوان: «لاقطة الزجاج» نقرأ بالصفحة رقم 47 ما يأتي: «تحمل خرجا فارغا على كتفها» بفتح خاء الخرج، مع العلم أن الخرج في العربية هـو الخراج: أي ما يخرج على الأرض من زكاة وغيره.

قال تعالى: ( قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ) (الكهف:94) ،

ولعل المطلع على هـذه القطعة يتعجب ليس فقط من لحن هـذه اللفظة «الخرج» بل من الصورة المساعدة التي صدرت بها القطعة، حيث إن الخرج يصبح مجرد كيس، مع العلم أن الخرج، بضم الخاء، أو الكرز بضم الكاف، هـو الجوالق ذو العدلين، وليس مجرد كيس كما فهم المبرمجون. وفي قطعة «آلة لا تستريح» بالصفحة 121 من كتاب القراءة نفسه نقرأ ما يأتي: «ما يتطلبه حمل ثقل وزنه» بفتح حاء حمل، وهو مخالف [ ص: 164 ] للصواب حيث إن الحمل بفتح الحاء خاص بالأجنة الذين تحملهم أمهاتهم في بطونهن.

قال تعالى: ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) (الطلاق:6)

[1] بينما الحمل بكسر الحاء، وهو الثقل المحمول على ظهر أو بعير أو سفينة أو شاحنة،

قال تعالى: ( ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ) (يوسف:72) .

وقد ركزت على أمثلة تخص الغلط في حركات المباني، لأؤكد حاجة الكتب المدرسية للضبط بالشكل التام، ولا سيما بالنسبة إلى مثلثات قطرب، وغيرها.

ومن كان في ريب مما أشرت إلى غيض من فيض غلطات الكتب المدرسية، فليرجع إلى هـذا الكتاب، وإلى غيره من الكتب المدرسية الذي تتناسل فيه الأخطاء العلمية واللغوية، الأمرالذي يحتم على واضعي الكتب المدرسية، تلبية مقتضيات «المبادئ التربوية الأساسية من وضوح الحروف وشكلها وتنوعها، ومن ضبط الصور والرسوم ودقتها ونصاعتها، ومن ترقيم الصفحة وإبراز فصولها وفقراتها... ومحتوى الكتاب المدرسي، وقيمته العلمية بالرجوع إلى الاختصاصيين في الموضوع وطلب رأيهم فيه...» [2] [ ص: 165 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية