رابعا: في ساحة الخطاب الدعوي:
بسبب ضمور الفهم في مجال «الواجبات الكفائية» وقصر الفهم عن إدراك أبعادها، فإن الخطاب الدعوي، التقليدي أو خطاب حركات التجديد والإصلاح، قد تمحور حول الواجبات العينية ، ولم يعط حيزا كافيا للواجبات الكفائية، وتركز غالبا على الالتزام الشخصي وترك المنكرات.. وكانت اهتمامات معظم الحركات الإسلامية جزئية، لم تصل إلى مستوى تفعيل المقتضيات الشاملة للأمة الوسط.. ولعل هـذا يعود إلى:
1- الشعور بأن هـوية الأمة في خطر، من خلال حملات التغريب التي تشنها وسائل التأثير وصناعة الأذهان، التي تهيمن عليها الدول الغربية، وكذلك حملات المعسكر الشيوعي ، قبل سقوطه في العقد [ ص: 71 ] التاسع من القرن الماضي، فكان الاهتمام بالتربية والالتزام بالدين وسيلة لمقاومة الغزو الفكري الذي استهدف الهوية الإسلامية وسط النشء من أبناء أمتنا.
2- وقوع الحركات الإسلامية في ظروف وملابسات معينة فرض عليهم التركيز على معالجة مشاكل محددة كمقابلة الاستبداد السياسي أو الاحتلال الأجنبي أو انحرافات عقدية... إلخ.
3- محدودية الفهم وجزئية الاهتمام والضيق في المعارف، جعل التركيز في خطابات الإصلاح الديني ينصب على السلوك الشخصي، مع إغفال كبير لأهمية التصدي للمصالح العامة للأمة، وهذا ربما يكون السبب الأساس في انعزال كثير من زعماء الإصلاح الديني عن ساحة الحياة العامة، وعدم قدرتهم على جذب النخبة الثقافية في البلاد، وحتى عدم قدرتهم على الإقناع في الدعوة إلى الدين.
4- الاستجابة الواعية، أو غير الواعية، للضغوط والمطالب الاستبدادية والسياسات الاستعمارية، التي تريد أن تكون ساحة المصالح العامة في عالمنا الإسلامي بعيدة عن الطريق المعرفي وفق مقتضيات «مجتمع المعرفة»، وبعيدة عن الشفافية التي تجعل العيب [ ص: 72 ] والاختلاس والفساد يظهر وبالتالي يختفي، وتوجه الموارد العامة نحو الصالح العام.
5- الخلل في مناهج التعليم الدينية، التي لا ترقى إلى مستوى تخريج فئة عالمة بمقاصد الدين في الحياة، بل تخرج حفظة لبعض المتون الفقهية والأصولية، يتصدرون الفتوى بعيدا عن معرفة الواقع وملابساته.