الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : ومن أكل ، أو شرب أو جامع ناسيا في صومه لم يفطره ذلك والنفل والفرض فيه سواء . وقال مالك رحمه الله تعالى في الفرض يقضي ، وهو القياس على ما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الجامع الصغير لولا قول الناس لقلت يقضي أي لولا روايتهم الأثر أو لولا قول الناس إن أبا حنيفة رحمه الله تعالى خالف الأثر ووجه القياس أن ركن الصوم ينعدم بأكله ناسيا كان ، أو عامدا وبدون الركن لا يتصور أداء العبادة والنسيان عذر بمنزلة الحيض والمرض فلا يمنع وجوب القضاء عند انعدام الأداء .

( ولنا ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه { أن رجلا سأل رسول صلى الله عليه وسلم فقال إني أكلت وشربت في رمضان ناسيا وأنا صائم فقال : إن الله أطعمك وسقاك فتم على صومك } وهكذا روي عن علي رضي الله عنه . وقال سفيان الثوري رضي الله عنه : إن أكل ، أو شرب لم يفطر ، وإن جامع ناسيا أفطر قال ; لأن الحديث ورد في الأكل والشرب والجماع ليس في معناه ; لأن زمان الصوم زمان وقت للأكل عادة فيبتلى فيه بالنسيان وليس بوقت الجماع عادة فلا تكثر فيه البلوى ولكنا نقول : قد ثبت بالنص المساواة بين الأكل والشرب والجماع في حكم الصوم فإذا ورد نص في أحدهما كان ورودا في الآخر باعتبار هذه المقدمة كمن يقول : لغيره [ ص: 66 ] اجعل زيدا وعمرا في العطية سواء ثم يقول : أعط زيدا درهما كان ذلك تنصيصا على أنه يعطي عمرا أيضا درهما فإن تذكر فنزع نفسه من ساعته فصومه تام ، وكذا الذي طلع عليه الفجر ، وهو مخالط لأهله إذا نزع نفسه من ساعته فصومه تام وعلى قول زفر رحمه الله تعالى فيهما جميعا يقضي الصوم لوجود جزء من المواقعة ، وإن قل بعد التذكر وطلوع الفجر .

( ولنا ) أنه لم يوجد بعد التذكر وطلوع الفجر إلا الامتناع من قضاء الشهوة وذلك ركن الصوم فلا يفسد الصوم وروى محمد عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى في نوادر الصوم أنه قال في الذي طلع عليه الفجر يقضي بخلاف الناسي والفرق أن اقتران المواقعة بطلوع الفجر مانع من انعقاد الصوم ، وفي الناسي صومه كان منعقدا ولم يوجد ما يرفعه ، وهو اقتضاء الشهوة بعد التذكر فبقي صائما فإن أتم الفعل فعليه القضاء دون الكفارة إلا على قول الشافعي رحمه الله تعالى فإنه يجعل استدامة الفعل بعد التذكر وطلوع الفجر كالإنشاء .

( ولنا ) أن الشبهة قد تمكنت في فعله من حيث إن ابتداءه لم يكن جناية وروى هشام عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى في الذي طلع عليه الفجر إذا أتم الفعل فعليه الكفارة بخلاف ما إذا تذكر ; لأن آخر الفعل من جنس أوله وفي الذي طلع عليه الفجر أول فعله عمد فكذلك آخره بخلاف الناسي فإن ذكر الناسي فلم يتذكر وأكل مع ذلك فقد ذكر في اختلاف زفر ويعقوب أن على قول زفر لا يفسد صومه لبقاء المانع ، وهو النسيان وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يفسد صومه ; لأن الاحتياط قد لزمه حين ذكر وعدم التذكر بعد ما ذكر نادر فلا يعتبر

التالي السابق


الخدمات العلمية