ومراده بالثمن القيمة فالقيمة ثمن التعديل والمسمى ثمن التراضي ولهذا مكنه من الأخذ من المشتري بالثمن لأن حق المشتري فيما أعطى من ماله وهو الثمن فينظر له في ذلك كما ينظر للمستولي عليه في إعادة ماله إليه وعن الشعبي رحمه الله تعالى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل أهل السواد ذمة المراد سواد العراق وفيه دليل على أن الإمام إذا فتح بلدة عنوة وقهرا فله أن يجعل أهلها ذمة ويضع الجزية على جماجمهم والخراج على أراضيهم كما فعله عمر رضي الله تعالى عنه فإنه افتتح السواد عنوة وقهرا وذلك مشهور في كتب المغازي وفيه أشعار وقد كان صاحب جيش العجم رستم بن فرخ هرمزان وقتل في الحرب وأنشد الأعرابي الذي قتله فقال
ألم تر أني حميت الذمار وأبقيت مكرمة في الأمم غداة الهزيمة إذ رستم
يسوق الفوارس سوق النعم رماني بسهم وقد نلته
فصك الركاب ببطن القدم وأضرب بالسيف يافوخه
فكانت لعمري فتح العجم
: ألم تر أن الله أنزل نصره وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس فيهن أيم
وذكر الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه : لا أدري ماذا أقول في سواد الكوفة ولكني أقول قولا بظن مقرون إلى علم وهذا جهل وتناقض من قائله فإن الظن أن يترجح أحد الجانبين من غير دليل فكيف يكون علما وفتح السواد عنوة وقهرا أشهر من أن يخفى على أحد حتى يحتاج إلى هذا التكلف وربما يقول الشافعي رحمه الله : إن عمر رضي الله عنه ملك الأراضي للمسلمين واسترقهم ثم تركهم ليعملوا في أراضي المسلمين وما جعل عليهم من الخراج والجزية بمنزلة [ ص: 16 ] الضريبة كالمولى يساوي عبده الضريبة ويستعمله وربما يقول من عليهم برقابهم وتملك الأراضي ثم أجرها منهم والخراج الذي جعل عليهم أجرة وهذا بعيد فإن جزيتهم أشهر من أن تخفى وقد كانوا يتبايعون ذلك فيما بينهم ويتوارثونه من ذلك الوقت إلى يومنا هذا فعرفنا أن الصحيح ما قاله علماؤنا رحمهم الله تعالى أنه من عليهم برقابهم وأرضهم وجعل عليهم الجزية في رءوسهم والخراج في أرضهم وإنما فعل ذلك بعد ما شاور الصحابة رضي الله عنهم على ما روي أنه استشارهم مرارا ثم جمعهم فقال : أما إني تلوت آية من كتاب الله تعالى واستغنيت بها عنكم ثم تلا قوله تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } إلى قوله تعالى { للفقراء المهاجرين } إلى قوله تعالى { والذين تبوءوا الدار } هكذا في قراءة عمر رضي الله عنه إلى قوله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم } ثم قال أرى لمن بعدكم في هذا الفيء نصيبا ولو قسمتها بينكم لم يكن لمن بعدكم نصيب فمن بها عليهم وجعل الجزية على رءوسهم والخراج على أراضيهم ليكون ذلك لهم ولمن يأتي بعدهم من المسلمين ولم يخالفه في ذلك إلا نفر يسير منهم بلال رضي الله عنه ولم يحمدوا على خلافه حتى دعا عليهم على المنبر فقال : اللهم اكفني بلالا وأصحابه فما حال الحول وفيهم عين تطرف أي ماتوا جميعا .


