وذكر عن رحمه الله تعالى قال : كتب عطاء نجدة إلى رضي الله عنهما يسأله ابن عباس ؟ فكتب هل للعبد في المغنم سهم ؟ وهل كانت النساء يحضرن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ومتى يجب للصبي سهم في المغنم ؟ وعن سهم ذوي القربى رضي الله عنهما أنه لا حق للعبد في المغنم ولكن يرضخ له الحديث وفي هذا بيان أن الاستفتاء بالكتاب كان معروفا فيهم فإن ابن عباس نجدة كان حروريا وهم كانوا قوما يسألون سؤال التعمق فكان كثيرا ما يكتب نجدة إلى رضي الله عنهما حتى ربما كان يضجر ابن عباس رضي الله عنهما ويقول : لا يزال يأتينا بأحموقة من خاطره ، ومع هذا كان يجيبه فيما كتب إليه وفيه بيان أنه لا يسهم للعبد كما يسهم للحر وبه نأخذ فإن العبد تبع للحر وليس من أهل أن يجاهد بنفسه حتى كان للمولى أن يمنعه وهو ممنوع من الخروج بغير إذنه ولا يسوى بين الأصل والتبع في الاستحقاق ولكن يرضخ له إذا قاتل بحسب جرأته وغنائه وكفايته وكتب إليه أن النساء كن يخرجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يداوين الجرحى وكان يرضخ لهن وخروج النساء مع رسول الله عليه الصلاة والسلام مشهور في الآثار ومنهن من كانت تقاتل معه على ما روي أن [ ص: 17 ] ابن عباس قاتلت يوم أم سليم بنت ملحان حنين شادة على بطنها وكانت حاملا حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لمقامها خير من مقام فلان وفلان } يعني الذين انهزموا وهي التي قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نقاتل هؤلاء الفرارين كما قاتلنا المشركين فقال صلى الله عليه وسلم { : عافية الله أوسع لنا } كانت تخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتداوي الجرحى وتقوم على المرضى وبعض العجائز كانت تخرج مع وأم أيمن رضي الله عنه للطبخ والخبز وسقي الماء وهذا دليل على أنه لا بأس بخروج العجائز مع الجيش لهذه الأعمال ثم يرضخ لهن لأنهن أتباع كالعبيد ولأنهن عاجزات عن القتال بنية والعبيد يعجزون عن ذلك بمنع الموالي فاستويا في المعنى فلهذا يرضخ للفريقين وكتب أنه لا حق للصبي في المغنم حتى يحلم وإنما أراد السهم الكامل أنه لا يثبت اسمه فيمن يسهم له ما لم يبلغ وبه نأخذ . خالد بن الوليد
والأصل فيه حديث رضي الله عنهما قال { ابن عمر أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني } ولكن يرضخ للصبي إذا قاتل فقد كان في الصبيان من يقاتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روي { : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم } والمراد الإجازة في المقاتلين ليرضخ لهما لا ليسهم فقد ثبت أنه لا يستحق السهم إلا بعد البلوغ وذكر عن أنه عرض عليه صبي فرده فقيل : إنه رام فأجازه وعرض عليه صبيان فرد أحدهما وأجاز لآخر فقال المردود : أجزته ورددتني ولو صارعته لصرعته فقال : صارعه فصارعه فصرعه فأجازهما رضي الله عنه أنه قال : لا حق للعبد في المغنم والمراد : السهم الكامل ، فأما الرضخ ثابت له إذا قاتل بإذن سيده أو المراد الآبق الخارج بغير إذن مولاه وهذا لا حق له بل يؤدب على فعله وعن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عباس قسم غنائم بدر بعد ما قدم المدينة } وإنما أورد هذا ليبين أن الإمام لا يشتغل بالقسمة في دار الحرب لأنهم كانوا محتاجين في ذلك الوقت ثم أخر القسمة حتى قدم المدينة فدل أنها لا تقسم في دار الحرب ، والذي يرويه رحمه الله تعالى أنه قسمها الشافعي بالسير شعب من شعاب الصفراء والصفراء من بدر لا يكاد يصح بل المشهور أنه قسم بالمدينة حتى { عثمان رضي الله تعالى عنه أن يضرب له فيها بسهم ففعل قال : وأجري يا رسول الله قال : وأجرك } وكان خلفه طلب منه بالمدينة على ابنته يمرضها فماتت قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قاله بعضهم قدم علينا رقية بشيرا بفتح زيد بن حارثة بدر حين سوينا على يعني التراب [ ص: 18 ] على قبرها { رقية رضي الله عنه أن يضرب له بسهم وكان غائبا طلحة بن عبيد الله بالشام فوافق قدومه قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب له بسهم قال : وأجري يا رسول الله قال : وأجرك } وتكلموا في ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما بالسهم ولم يشهدا وسأله بدرا فذكر رحمه الله تعالى أنه ضرب لثمانية نفر ممن لم يشهدوا الواقدي بدرا بالسهم فقيل : إنما ضرب لعثمان رضي الله تعالى عنه لأن تخلفه كان بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليمرض ابنته وكانت تحته وكان في ذلك فراغ قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحق هو بمن شهد بدرا .
ألا ترى أنه وعد له الأجر كان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتجسس خبر العير فكان مشغولا بعمل المسلمين فجعله كمن شهد وطلحة بدرا وقيل : بل كان أسهم لهما لأنهما كالمدد أما فقد كان في دار الحرب عازما على اللحوق بالمسلمين طلحة وعثمان رضي الله عنه وإن كان بالمدينة فالمدينة إنما كان لها حكم دار الإسلام في ذلك الوقت حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين فيها ، فأما بعد خروجهم فقد كانت الغلبة فيها لليهود والمنافقين ، وهو دليل لنا على أن المدد إذا لحق الجيش في دار الحرب شركهم في الغنيمة وإن لم يشهد الوقعة .
وقيل : إنما أسهم لهما لأن الأمر في غنائم بدر كان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ; أما لأنها أصيبت بمنعة السماء ، أو لأنها كثرت المنازعة بينهم فيها على ما روي { عن رضي الله عنه قال : ساءت أخلاقنا يوم عبادة بن الصامت بدر فحرمنا ثم بين ذلك فقال : كنا ثلاث فرق فرقة كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرقة جمعوا الغنائم وفرقة اتبعوا المنهزمين فجعلت كل فرقة تقول : الغنيمة لنا فارتفعت أصوتنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } } فتبين أن الأمر كان في غنائم بدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهذا أعطى من أعطى ممن لم يحضر ، وذكر عن محمد بن إسحاق رحمهما الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { والكلبي حنين بعد منصرفه من الطائف بالجعرانة } وفي هذا دليل أنها لا تقسم في دار الحرب فإنه أخر القسمة حتى انتهى إلى قسم غنائم الجعرانة وكانت حدود دار الإسلام في ذلك الوقت ; لأن فتح حنين كان بعد فتح مكة والجعرانة من نواحي مكة وقد روي أن الأعراب طالبوه بالقسمة وأحاطوا به يقولون : أقسم بيننا ما أفاء الله تعالى علينا حتى ألجئوه إلى سمرة وجذب بعضهم رداءه فتخرق فقال : اتركوا لي ردائي فلو كانت هذه العضاه [ ص: 19 ] إبلا وبقرا وغنما لقسمتها بينكم ثم لا تجدونني جبانا ولا بخيلا ، فمع كثرة مطالبتهم أخر القسمة حتى انتهى إلى دار الإسلام فدل أنها لا تقسم في دار الحرب .