( وحجتنا ) في ذلك أن الآثار اشتهرت بنقض قريش الصلح الذي كان بينه وبينهم على ما روي أن بني خزاعة دخلوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وبني بكر في عهد قريش ثم قاتل بنو بكر بني خزاعة وأردفتهم قريش بالأسلحة والأطعمة [ ص: 38 ] وقاتل من قاتل من قريش معهم مستخفيا بالليل حتى جاء وافد بني خزاعة عمر بن سالم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصره ويقول
لاهم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا أن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا وبيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا ركعا وسجدا
: إنك لو شهدت يوم خندمه إذ فر صفوان وفر عكرمة
لم ينطق اليوم بأدنى كلمة
: خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
لاهم إني مؤمن بقيله
ألا ترى إلى قوله تعالى { والهدي معكوفا أن يبلغ محله } وإنما لم يضع الخراج على أراضيهم لأن الأراضي تابعة للرقاب ولم يضع الجزية على رقابهم إذ لا جزية على عربي ولا رق فكذلك لا خراج على أراضيهم فإذا ظهر أنها فتحت قهرا اتضح مذهبنا في المسألة التي قلنا وعلى سبيل الابتداء في تلك المسألة رحمه الله تعالى يقول : قد تأكد حق الغانمين في الأراضي أما عندي فقد ثبت الملك لهم بنفس الإصابة وعندكم تأكد الحق بالإحراز فقد صارت محرزة بفتح البلدة وإجراء أحكام الإسلام فيها وفي المن إبطال حق الغانمين عما تأكد حقهم فيه والإمام لا يملك ذلك كما إذا استولى على الأموال بدون الأراضي لم يكن له أن يبطل حق الغانمين عنها بالرد عليهم بخلاف الرقاب فالحق في رقابهم لم يتأكد . بدليل أن له أن يقتلهم فكذلك يكون له أن يمن على رقابهم بجزية يأخذها منهم ثم حق مصارف الخمس ثابت بالنص وفي المن إبطال ذلك ولهذا قلت أما تخميس الجزية لأن الخمس من الرقاب كان حقا لأرباب الخمس فيثبت حقهم في بدل ذلك وهو الجزية وعلماؤنا رحمهم الله تعالى يقولون : تصرف الإمام وقع على وجه النظر وأنه نصب لذلك وبيانه أنه لو قسمها بينهم اشتغلوا بالزراعة وقعدوا عن الجهاد فيكر عليهم العدو وربما لا يهتدون لذلك العمل أيضا فإذا تركها في أيديهم وهم أعرف بذلك العمل اشتغلوا بالزراعة وأدوا الجزية والخراج فيصرف ذلك إلى المقاتلة ويكونون مشغولين بالجهاد وبهذا تبين أنه ليس في هذا إبطال حقهم بل فيه توفير المنفعة عنهم لأن منفعة القسمة وإن كانت أعجل فمنفعة الخراج أدوم ولأنه كما ثبت الحق فيها للذين أصابوا ثبت لمن يأتي بعدهم بالنص قال الله تعالى { فالشافعي والذين جاءوا من بعدهم } وفي القسمة إبطال حق من يأتي بعدهم أصلا وفي المن عليهم مراعاة الحقين جميعا ، وإنما { خيبر لحاجة لأصحابه رضي الله عنهم كانت [ ص: 41 ] يومئذ } ونحن نقول للإمام ذلك عند حاجة المسلمين فأما بدون الحاجة الأولى ما فعله قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه عمر بالسواد والاستدلال بما استدل به ولا قول أبعد من قول من أوجب في الجزية الخمس { هجر والحلل من بني نجران } وقال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس رضي الله عنه { لمعاذ } فدل أنه لا خمس في الجزية . : خذ من كل حالم وحالمة دينارا ولم يخمس شيئا من ذلك