( قال ) كالحر الأجنبي معناه أنه لا يحل له أن ينظر إلا وجهها وكفيها عندنا وقال والعبد فيما ينظر من سيدته : نظره إليها كنظر الرجل إلى ذوات محارمه لقوله تعالى { مالك أو ما ملكت أيمانهن } ولا يجوز أن يحمل ذلك على الإماء لأن ذلك دخل في قوله تعالى { أو نسائهن } ولأن هذا مما لا يشكل لأن للأمة أن تنظر إلى مولاتها كما للأجنبيات فإنما يحمل البيان على موضع الإشكال { أنه كان لها مكاتب فلما انتهى إلى آخر النجوم قالت له : أتقدر على الأداء ، فقال : نعم ، فاحتجبت وقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان لإحداكن مكاتب فأدى آخر النجوم فلتحتجب منه أم سلمة } والمعنى فيه أن بينهما سبب محرم للنكاح ابتداء وبقاء فكان بمنزلة المحرمية بينهما وإباحة النظر عند المحرمية لأجل الحاجة وهو دخول البعض على البعض من غير استئذان ولا حشمة وهذا يتحقق فيما بين العبد ومولاته . وعن
( وحجتنا ) في ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنهما قالا : لا يغرنكم سورة النور فإنها في الإناث دون الذكور ومرادهما قوله تعالى { وسعيد بن جبير أو ما ملكت أيمانهن } والموضع موضع الإشكال لأن حال الأمة يقرب من حال الرجل حتى تسافر بغير محرم فكان يشكل أنه ولم يزل هذا الإشكال بقوله تعالى { هل يباح لها الكشف بين يدي أمتها ؟ أو نسائهن } لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر دون الإماء والمعنى فيه أنه ليس بينهما زوجية ولا محرمية وحل النظر إلى مواضع الزينة الباطنة ينبني على هذا السبب وحرمة المناكحة التي بينهما بعارض على شرف الزوال فكانت في حقه بمنزلة منكوحة الغير أو معتدته ولأن وجوب الستر عليها وحرمة الخلوة بالرجل لمعنى خوف الفتنة وذلك موجود ههنا وإنما ينعدم بالمحرمية لأن الحرمة المؤبدة تقلل الشهوة فأما الملك لا يقلل الشهوة بل يحملها [ ص: 158 ] على رفع الحشمة ومعنى البلوى لا يتحقق لأن اتخاذ العبيد للاستخدام خارج البيت لا داخل البيت على ما قيل فهو كشخان وحديث من اتخذ عبدا للخدمة داخل بيته رضي الله عنها محمول على الاحتجاب لمعنى زوال الحاجة فإن قبل ذلك تحتاج إلى المعاملة معه بالأخذ والإعطاء فتبدي وجهها وكفها له وقد زال ذلك بالأداء فلتحتجب منه ; ثم خصيا أو فحلا هكذا نقل عن أم سلمة عائشة رضي الله عنها قالت الخصى مثلة فلا يبيح ما كان محرما قبله ولأن الخصي في الأحكام من الشهادات والمواريث كالفحل وقطع تلك الآلة منه كقطع عضو آخر ومعنى الفتنة لا ينعدم فالخصي قد يجامع وقد قيل هو أشد الناس جماعا فإنه لا تفتر آلته بالإنزال وكذلك المجبوب لأنه قد يستحق فينزل .
وإن فقد رخص بعض مشايخنا في حقه بالاختلاط بالنساء لوقوع الأمن من الفتنة والأصح أنه لا يحل له ذلك ومن رخص فيه تأول قوله تعالى { كان مجبوبا قد جف ماؤه أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال } وبين أهل التفسير كلاما في معنى هذا فقيل : هو المجبوب الذي جف ماؤه وقيل : هو المخنث الذي لا يشتهي النساء والكلام في عندنا أنه إذا كان مخنثا في الردى من الأفعال فهو كغيره من الرجال بل من الفساق ينحى عن النساء وأما من كان في أعضائه لين وفي لسانه تكسر بأصل الخلقة ولا يشتهي النساء ولا يكون مخنثا في الردى من الأفعال فقد رخص بعض مشايخنا في ترك مثله مع النساء لما روي { المخنث } { أن مخنثا كان يدخل بعض بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة فاحشة : لئن فتح الله لعمر بن أبي سلمة الطائف على رسوله لأدلنك على ماوية بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال صلى الله عليه وسلم ما كنت أعلم أنه يعرف مثل هذا أخرجوه } وقيل المراد بقوله تعالى { قال أو التابعين } الأبله الذي لا يدري ما يصنع بالنساء إنما همه بطنه وفي هذا كلام عندنا فقيل : إذا كان شابا ينحى عن النساء وإنما كان ذلك إذا كان شيخا كبيرا قد ماتت شهوته فحينئذ يرخص في ذلك والأصح أن نقول قوله تعالى أو التابعين من المتشابه وقوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا } محكم فنأخذ بالمحكم فنقول : كل من كان من الرجال فلا يحل لها أن تبدي موضع الزينة الباطنة بين يديه ولا يحل له أن ينظر إليها إلا أن يكون صغيرا فحينئذ لا بأس بذلك لقوله تعالى { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }