الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( تنبيه )

                                                                                                                              قيل : منصب سماع الدعوى ، والبينة ، والحكم بها يختص بالقاضي دون الإمام الأعظم كما هو ظاهر الروضة في القضاء على الغائب . ورد بمنع ما ذكر وبأن مرادهم بالقاضي ما يشمله بدليل أنهم لم ينبهوا على تخالف أحكامهما إلا في بعض المسائل كانعزال القاضي بالفسق دون الإمام الأعظم ومر آخر البغاة ما له ما تعلق بذلك .

                                                                                                                              ( ولو حكم خصمان ) أو اثنان من غير خصومة كفي نكاح ، ويؤخذ منه أن من حلف لا يكلم أباه فحكما آخر فحكم عليه بتكليمه لم يحنث ؛ لأن الإكراه الشرعي كالحسي ، ولا شك أن المحكم يكره ، وإن لم يتصور منه نحو ضرب ، ولا حبس . فإفتاء بعضهم بعدم جواز التحكيم في ذلك فيه نظر . وكأنه أخذ ذلك من أن الحاكم لا يكون حكمه إكراها إلا إن قدر حسا على إجبار الحالف . ومر ما فيه في مبحث الإكراه في الطلاق فراجعه . فإن قلت : نفوذ قضاء المحكم موقوف على رضا الحالف فكيف يتصور إكراهه له ؟ قلت ليس الكلام فيما قبل الحكم بل فيما بعده ، وهو حينئذ له إكراهه على مقتضى حكمه ، وإن كان متوقفا أولا على رضاه ، أو حكم أكثر من اثنين ( رجلا في غير حد ) ، أو تعزير ( لله تعالى جاز مطلقا ) أي : مع وجود قاض [ ص: 118 ] أهل وعدمه ( بشرط أهلية القضاء ) المطلقة لا في خصوص تلك الواقعة فقط ؛ لأن ذلك وقع لجمع من الصحابة ولم ينكر مع اشتهاره فكان إجماعا . أما حد الله تعالى ، أو تعزيره فلا يجوز التحكيم فيه ؛ إذ لا طالب له معين ، وأخذ منه أن حق الله تعالى المالي الذي لا طالب له معين لا يجوز التحكيم فيه ، وأما غير الأهل فلا يجوز تحكيمه أي : مع وجود الأهل ، وإلا جاز ولو في النكاح على ما مر فيه . ونوزع فيه بأنه لا ضرورة إلى تحكيمه حيث وجد قاضي ضرورة ؛ لأن الضرورة تتقدر بقدرها قال البلقيني : ولا يجوز لوكيل من غير إذن موكله تحكيم ، ولا لولي إن أضر بموليه وكوكيل مأذون له في التجارة وعامل قراض ومفلس إن ضر غرماءه ومكاتب إن أضر به . وتحكيم السفيه لغو ولو بإذن وليه على ما اقتضاه إطلاق بعضهم وفيه نظر .

                                                                                                                              ( وفي قول لا يجوز ) التحكيم ؛ لما فيه من الافتيات على الإمام ونوابه ، ويجاب بأنه ليس له حبس ، ولا ترسيم ولا استيفاء عقوبة آدمي ثبت موجبها عنده ؛ لئلا تخرق أبهتهم فلا افتيات ( وقيل ) : إنما يجوز ( بشرط عدم قاض في البلد ) للضرورة ( وقيل : يختص ) الجواز ( بمال دون قصاص ونكاح ونحوهما ) كلعان وحد قذف . ( ولا ينفذ حكمه إلا على راض ) لفظا لا سكوتا فيما يظهر ، ويعتبر رضا الزوجين معا في النكاح ، نعم يكفي سكوت البكر إذا استؤذنت في التحكيم ( به ) أي : بحكمه الذي سيحكم به من ابتداء التحكيم إلى صب الحكم ؛ لأنه المثبت للولاية ، نعم إن كان أحد الخصمين القاضي الذي له الاستخلاف واستمر رضاه لم يؤثر عدم رضا خصمه ؛ لأن المحكم نائبه . وقول ابن الرفعة نقلا عن جمع : التحاكم لشخص ليس تولية له ينبغي حمله على ما إذا لم يجر غير الرضا وحمل الأول على ما إذا انضم له لفظ يفيد التفويض كاحكم بيننا مثلا ، ثم رأيت الماوردي ذكره حيث قال : إذا تحاكم الإمام وخصمه لبعض الرعية ولم يقلده خصوص النظر اشترط رضا الخصم [ ص: 119 ] ولو كان أحدهما بعضه ، أو عدوه نفذ حكمه على بعضه ولعدوه ؛ لعدم التهمة دون عكسه على الأوجه لوجودها مع عدم القدرة على رده ؛ لأنه لا يفيد بعد الحكم وكونه رضي به أولا قد يكون لظن عدم التهمة . وللمحكم أن يحكم بعلمه كما شمله كلامهم خلافا لمن نازع فيه ؛ إذ لا وجه لمنعه منه نعم الوجه أنه لا بد من بيان مستنده كما مر وكونه مشهور الديانة ، والصيانة وإذا اشترط رضا المحكوم عليه .

                                                                                                                              ( فلا يكفي رضا قاتل في ضرب دية على عاقلته ) بل لا بد من رضاهم ؛ لأنهم لا يؤاخذون بإقراره فكيف برضاه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : تنبيه قيل : منصب سماع الدعوى ، والبينة ، والحكم بها يختص بالقاضي ) والأصح خلافه على أن مرادهم بالقاضي ما يشمله إلخ م ر ش . ( قوله : إلا في بعض المسائل إلخ ) على أن صريح المتن الجواز كما يعلم من قوله : ويحكم له ولها [ ص: 118 ] إلا الإمام أو قاض آخر ش م ر . ( قوله : لا في خصوص تلك الواقعة ) كتب عليه م ر . ( قوله : أي : مع وجود الأهل ) كتب عليه م ر . ( قوله : وإلا جاز ) ويحتمل حينئذ تقديم الأمثل فالأمثل مع تيسره ؛ لأنها ولاية للضرورة ، ولا شوكة فيها حتى تنفذ من غير الأمثل مع تيسره م ر . ( قوله : ولو في النكاح إلخ ) نعم لا يجوز تحكيم غير مجتهد مع وجود قاض ولو قاضي ضرورة م ر .

                                                                                                                              ( قوله : بأنه لا ضرورة إلى تحكيمه حيث وجد قاضي ضرورة ؛ لأن الضرورة إلخ ) بقي أنه لو وجد القاضي لكنه ممنوع من جهة الإمام من العمل بمسائل معينة كما لو منع الشافعي من الحكم على الغائب فالوجه جواز التحكيم في تلك المسائل لفقد القاضي بالنسبة إليها وهذا ظاهر . ( قوله : نعم يكفي سكوت البكر ) كتب عليه م ر . ( قوله : لم يؤثر عدم رضا خصمه ) كتب عليه م ر . ( قوله : ينبغي حمله على ما إذا لم يجر غير الرضا ) كتب عليه م ر [ ص: 119 ] قوله : وللمحكم أن يحكم بعلمه ) المعتمد منع ذلك م ر ، ولو مجتهدا م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : قيل : منصب سماع الدعوى ) إلى قوله : ومر إلخ زاد النهاية عقبه ما نصه على أن صريح المتن الجواز كما يعلم من قوله : ويحكم له ولهؤلاء الإمام ، أو قاض آخر . ا هـ . ( قوله : ورد بمنع ما ذكر وبأن مرادهم إلخ ) عبارة النهاية ، والأصح خلافه على أن مرادهم إلخ ( قوله : ما يشمله ) أي : الإمام الأعظم . ا هـ . ع ش . ( قول المتن : ولو حكم بكاف مشددة ) . ا هـ . مغني . ( قوله : أو اثنان ) إلى قوله : ويؤخذ في النهاية ، والمغني . ( قوله : ويؤخذ منه ) أي : مما زاده . ( قوله : يكره ) بكسر الراء . ( قوله : في ذلك ) أي : الحلف المذكور . ( قوله : ما فيه ) أي : الحصر المذكور . ( قوله : إكراهه ) أي : الشرعي . ( قوله : وإن كان إلخ ) أي : حكم المحكم ( قوله : أو حكم إلخ ) عطف على حكم خصمان . ( قوله : أو تعزير ) إلى قوله : مع وجود الأهل في المغني إلا ما أنبه عليه وإلى قوله : على ما مر في النهاية إلا ما سأنبه عليه . ( قوله : أي : مع إلخ ) عبارة المغني عن التفاصيل [ ص: 118 ] الآتية . ا هـ . ( قوله : أهل ) عبارة النهاية أفضل . ا هـ . ( قول المتن : بشرط أهلية القضاء ) يستثنى منه التحكيم في عقد النكاح فإنه يجوز فيه تحكيم من لم يكن مجتهدا كما مر ذلك في بابه مغني وأسنى . ( قوله : وأخذ منه ) أي : من التعليل . ( قوله : الذي لا طالب له معين ) كالزكاة حيث كان المستحقون غير محصورين . ا هـ . بجيرمي ( قوله : وإلا جاز إلخ ) وفاقا لشرح المنهج وخلافا لإطلاق المغني وللنهاية عبارته نعم لا يجوز تحكيم غير مجتهد مع وجود قاض ولو قاضي ضرورة . ا هـ . ( قوله : ونوزع فيه إلخ ) ، والذي يتجه أن قاضي الضرورة إن كان مقلدا عارفا بمذهب إمامه عدلا فلا وجه لتحكيم من هو مثله بخلاف ما لو كان جاهلا ، أو فاسقا وثم مقلد عالم عدل فالظاهر جوازه . ا هـ . سيد عمر عبارة البجيرمي قوله : ولو مع وجود قاض أي : إذا كان المحكم مجتهدا ، أما إذا لم يكن كذلك فلا يجوز ولو مع وجود قاضي ضرورة ع ش فيمتنع التحكيم الآن لوجود القضاة ولو قضاة ضرورة كما نقله الزيادي عن م ر إلا إذا كان القاضي يأخذ مالا له وقع فيجوز التحكيم حينئذ كما قاله الحلبي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بأنه لا ضرورة إلى تحكيمه إلخ ) بقي أنه لو وجد القاضي لكنه ممنوع من جهة الإمام من العمل بمسائل معينة كما لو منع الشافعي من الحكم على الغائب فالوجه جواز التحكيم في تلك المسائل ؛ لفقد القاضي بالنسبة إليها وهذا ظاهر . ا هـ . سم ( قوله : قال البلقيني ) إلى قوله : وتحكيم السفيه في النهاية وإلى قوله : ولو بإذن وليه في المغني إلا قوله ومكاتب إن أضر به . ( قوله : إن أضر ) أي : مذهب المحكم . ا هـ . مغني . ( قوله : وكوكيل مأذون له إلخ ) خبر فمبتدأ . ( قوله : وعامل قراض إلخ ) عطف على مأذون له إلخ . ( قوله : ومفلس ) أي : محجور عليه بفلس . ا هـ . مغني . ( قوله : إن أضر ) أي : مذهب المحكم . ا هـ . مغني . ( قول المتن : وفي قول لا يجوز ) أي : مطلقا . ا هـ . مغني ( قوله : التحكيم ) إلى قوله : ولو كان أحدهما في النهاية ( قوله : ليس له ) أي : للمحكم . ا هـ . مغني . ( قوله : أبهتهم ) أي : فخرهم وشرفهم وعظمتهم قال في المختار : والأبهة العظمة ، والكبر وهي بضم الهمزة وتشديد الباء الموحدة . ا هـ . بجيرمي . ( قوله : ويعتبر رضا الزوجين إلخ ) أي : فلا يكتفى بالرضا من ولي المرأة ، والزوج بل الرضا إنما يكون بين الزوجين حيث كانت الولاية للقاضي . ا هـ . ع ش . ( قوله : من ابتداء إلخ ) إلى قوله : وقول ابن الرفعة في المغني ( قوله : من ابتداء التحكيم إلخ ) متعلق براض به . ( قوله : إلى صب الحكم ) أي : تمامه . ا هـ . مغني .

                                                                                                                              ( قوله : لأن المحكم نائبه إلخ ) عبارة المغني وشيخ الإسلام : بناء على أن ذلك تولية ورده ابن الرفعة بأن ابن الصباغ وغيره قالوا : ليس التحكيم تولية فلا يحسن البناء وأجيب بأن محل هذا إذا صدر التحكيم من غير قاض فيحسن البناء . ا هـ . ( قوله : وحمل الأول إلخ ) عطف على حمله إلخ . ( قوله : ثم رأيت الماوردي إلخ ) عبارة النهاية وفي كلام الماوردي ما يدل على ذلك . ا هـ . ( قوله : ذكره ) أي : التفصيل المذكور ، لكن بعضه منطوقا ، والبعض الآخر [ ص: 119 ] مفهوما . ( قوله : ولو كان ) إلى قوله : على الأوجه في المغني . ( قوله : أحدهما ) أي : المتحاكمين بعضه إلخ أي : المحكم . ( قوله : دون عكسه ) أي حكمه لبعضه وعلى عدوه . ( قوله : لأنه إلخ ) أي : الرد ( قوله : وكونه إلخ ) استئناف بياني . ( قوله : وللمحكم أن يحكم إلخ ) المعتمد منع المحكم من الحكم بعلمه نهاية وأسنى أي : ولو كان مجتهدا م ر . ا هـ . سم و ع ش أي خلافا لشرح المنهج عبارة السلطان عليه قوله : وقضية كلامهم أن للمحكم أن يحكم بعلمه وهو ظاهر إلخ المعتمد أنه لا يجوز له ولا لقاضي الضرورة الحكم بعلمهما . ا هـ . ( قوله : كما مر ) أي : قبيل قول المتن : ويندب للإمام إلخ ( قوله : بل لا بد ) إلى قوله : وإذا تولى القضاء في المغني وإلى الفصل في النهاية .




                                                                                                                              الخدمات العلمية