الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويحنث ) من حلف لا يهب ( بعمرى ورقبى وصدقة ) مندوبة لا واجبة كزكاة وكفارة ونذر وبهدية مقبوضة ؛ لأنها أنواع من الهبة ( لا إعارة ) إذ لا ملك فيها وضيافة ( ووصية ) لأنها جنس مغاير للهبة ، والتعليل بأنها إنما تملك بالموت والميت لا يحنث قاصر ؛ لأنه لا يتأتى في نحو والله لا يهب فلان لفلان شيئا فأوصى إليه ( ووقف ) ؛ لأن الملك فيه لله تعالى

                                                                                                                              وبحث البلقيني أنه لو كان في الموقوف عين حال الوقف كثمرة أو صوف حنث ؛ لأنه ملك أعيانا بغير عوض وفيه نظر لأنها تابعة لا مقصودة ( أو لا يتصدق ) حنث بصدقة فرض وتطوع ، ولو على غني ذمي وبعتق ووقف ؛ لأنه يسمى صدقة لا تقتضي التمليك وإبراء و ( لم يحنث ) بهدية وعارية وضيافة وقرض [ ص: 65 ] وقراض وإن حصل فيه ربح على الأوجه ولا ( بهبة في الأصح ) ؛ لأنها لتوقفها على الإيجاب والقبول لا تسمى صدقة ، ولهذا حلت له صلى الله عليه وسلم بخلاف الصدقة وفارق عكسه السابق بأن الصدقة أخص فكل صدقة هبة ولا عكس نعم إن نوى بالصدقة الهبة حنث ،

                                                                                                                              فإن قلت قد علم مما تقرر أنهم حملوا الهبة هنا على مقابل الصدقة والهدية وفيما مر على ما يشمل هذين وغيرهما فما وجهه قلت : يوجه بأن الهبة لها إطلاقان باعتبار السياق فأخذوا في كل سياق بالمتبادر منه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : لأنه ملك أعيانا بغير عوض ) هذا يدل على أن الموقوف عليه يملك تلك الأعيان ويخالفه قوله : [ ص: 65 ] في باب الوقف والثمرة الموجودة حال الوقف تأبرت فهي للواقف وإلا شملها الوقف على الأوجه ، ثم قال أما إذا حملا حين الوقف فهو وقف وألحق به نحو الصوف واللبن . ا هـ . والإلحاق المذكور في شرح الروض . ( فرع ) .

                                                                                                                              قال في التنبيه : وإن من عليه رجل فحلف لا يشرب له ماء من عطش فأكل له خبزا أو لبس له ثوبا أو شرب له ماء من غير عطش لم يحنث قال ابن النقيب في شرحه أي سواء أطلق أو نوى أن لا ينتفع بشيء من ماله كما قاله المحاملي ؛ لأنه لم يتحقق مدلول اللفظ واليمين تتعلق بمدلول لفظه دون معناه بدليل ما لو حلف لا يتزوج فتسرى فإنه لا يحنث . ا هـ . ولا يخفى إشكال ما قاله المحاملي عند النية إذ الحنث حينئذ ظاهر ويفارقه ما استدل به بأن الشرب يستلزم الانتفاع بالماء فجاز أن يتجوز به عن لازمه الأعم وهو مطلق الانتفاع بشيء من ماله وهذا مجوز قريب لا يظهر مثله فيما استدل به ثم رأيته في الروض جزم بما قاله المحاملي ، ووجهه في شرحه بما تمكن المنازعة فيه بما ذكرنا ( قوله : فإن قلت قد علم مما تقرر أنهم حملوا الهبة هنا على مقابل الصدقة ) لعل الوجه أن يقال إنهم أرادوا بالهبة بدل حملوا الهبة فتأمل . ( قوله : قلت يوجه بأن الهبة لها إطلاقان إلخ ) الوجه في الجواب أنهم لما قابلوا الهبة بالصدقة كانت غيرها . ( قوله : أيضا قلت يوجه بأن الهبة لها إطلاقان إلخ ) لعل الأوجه في الجواب أن يقال إنما أريد بالهبة هنا مقابل الصدقة لفساد إرادة ما يشمل الصدقة إذ يلزم أن من حلف لا يتصدق لم يحنث بالتصدق وهو باطل ، وأما كون الهبة أريد بها هنا ما يقابل الهدية أيضا فغير محتاج إليه في الحكم كما لا يخفى .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : من حلف ) إلى قول المتن : ووصية في المغني وإلى قول الشارح فإن قلت في النهاية إلا قوله والتعليل إلى المتن وقوله لا تقتضي التمليك ( قوله : وضيافة ) قدمه المغني على التعليل ثم ثنى ضمير فيها ( قوله : لأنها جنس إلخ ) ومثله يقال في الضيافة . ا هـ . ع ش ( قوله في نحو والله لا يهب إلخ ) أي : فيما إذا حلف على امتناع الهبة من غيره ( قوله : عين إلخ ) أي يملكها الموقوف عليه ا هـ نهاية ( قوله : كثمرة إلخ ) صريح هذا أنه يملكهما وليراجع ما مر في الوقف . ا هـ .

                                                                                                                              رشيدي ( قوله : لأنه ملك أعيانا إلخ ) هذا يدل على أن الموقوف عليه يملك تلك الأعيان ويخالفه قوله : في باب الوقف : والثمرة الموجودة حال الوقف إن تأبرت فهي للواقف وإلا شملها الوقف على الأوجه ثم قال أما إذا كان حملا حين الوقف فهو وقف وألحق به نحو الصوف واللبن . ا هـ . والإلحاق المذكور في شرح الروض . ا هـ . سم ( قوله : وفيه نظر ؛ لأنها تابعة إلخ ) عبارة النهاية والأوجه خلافه لأنها إلخ ( قوله : حنث ) إلى قوله وإبراء في المغني ( قوله : لأنه ) أي : الوقف ( قوله : لا تقتضي التمليك ) عبارة المغني فإن قيل ينبغي أن يحنث به فيما مر أيضا ؛ لأنه تبين بهذا أن الوقف صدقة ، وكل صدقة هبة أجيب بأن هذا الشكل غير منتج لعدم [ ص: 65 ] اتحاد الحد الوسط إذ محمول الصغرى صدقة لا تقتضي الملك وموضوع الكبرى صدقة تقتضيه كما مر في بابها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وقراض إلخ ) فروع .

                                                                                                                              لو حلف لا يشارك فقارض قال الخوارزمي حنث ؛ لأنه نوع من الشركة وهو كما قال الزركشي ظاهر بعد حصول الربح دون ما قبله أو لا يتوضأ فتيمم لم يحنث أو لا يضمن لفلان مالا فكفل بدن مديونه لم يحنث ؛ لأنه لم يأت بالمحلوف عليه أو لا يذبح الجنين فذبح شاة في بطنها جنين حنث لأن زكاتها زكاته أو لا يذبح شاتين لم يحنث بذلك ؛ لأن الأيمان يراعى فيها العادة

                                                                                                                              وفي العادة لا يقال إن ذلك ذبح لشاتين ويحتمل أن لا يحنث في الأولى أيضا وهذا الاحتمال كما قال الأذرعي أقرب أو لا يقرأ في مصحف ففتحه وقرأ فيه حنث أو لا يدخل هذا المسجد فدخل في زيادة حادثة فيه بعد اليمين أو لا يكتب بهذا القلم وهو مبري فكسر ثم بري فكتب به لم يحنث وإن كانت الأنبوبة واحدة ؛ لأن اليمين في الأولى لا تتناول الزيادة والقلم في الثانية اسم للمبري دون القصبة وإنما يسمى قبل البري قلما مجازا لأنه سيصير قلما أو لا آكل اليوم إلا أكلة واحدة فاستدام من أول النهار إلى آخره لم يحنث وإن قطع الأكل قطعا بينا ثم عاد حنث ، وإن قطع لشرب أو انتقال من لون إلى آخر أو انتظار ما يحمل إليه من الطعام ولم يطل الفصل لم يحنث . ا هـ . مغني وفي النهاية بعد ذكر مسألة القلم ما نصه وكذا لو حلف لا يقطع بهذه السكين ثم أبطل حدها وجعل الحد من ورائها وقطع بها لم يحنث أو لا يزور فلانا فشيع جنازته فلا حنث ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : ولهذا حلت إلخ ) أي : الهبة وكذا الهدية لأن كلا منهما لا يسمى صدقة . ا هـ . ع ش ( قوله : فكل صدقة هبة ) يستثنى من ذلك صدقة الفرض لما مر من أن من حلف أن لا يهب لم يحنث بها لأنها لا تسمى هبة . ا هـ . ع ش ( قوله حملوا الهبة ) لعل الأوجه أن يقال بدله أرادوا بالهبة فتأمل . ا هـ . سم ( قوله : هنا ) أي : في الحلف على عدم التصدق وقوله وفيما مر أي : في الحلف على عدم الهبة ( قوله قلت يوجه إلخ ) الوجه في الجواب أنهم لما قابلوا الهبة بالصدقة كانت غيرها . ا هـ . سم ( قوله باعتبار السياق ) الأولى إسقاطه ( قوله : فأخذوا إلخ ) لعل الوجه في الجواب أن يقال إنما أريد بالهبة هنا مقابل الصدقة لفساد إرادة ما يشمل الصدقة إذ يلزم أن من حلف لا يتصدق لم يحنث بالتصدق وهو باطل وأما كون الهبة أريد بها هنا ما يقابل الهدية أيضا فغير محتاج إليه في الحكم كما لا يخفى . ا هـ . سم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية