فيه أو في أحد من آبائه وهي ما يتحرف به لطلب الرزق من الصنائع وغيرها وقد يؤخذ منه أن من باشر صنعة دنيئة لا على جهة الحرفة بل لنفع المسلمين من غير مقابل لا يؤثر ذلك فيه وهو محتمل ويؤيده ما يأتي أن من باشر نحو ذلك اقتداء بالسلف لا تنخرم به مروءته ( فصاحب حرفة دنيئة ) بالهمز والمد وهي ما دلت ملابسته على انحطاط المروءة وسقوط النفس قال ( و ) خامسها ( حرفة ) المتولي وليس منها نجارة بالنون وخبازة وقال الروياني يراعى فيها عادة البلد فإن الزراعة قد تفضل التجارة في بلد وفي بلد آخر بالعكس ، وظاهر كلام غيره أن الاعتبار في ذلك بالعرف العام والذي يتجه أن ما نصوا عليه لا يعتبر فيه عرف كما مر .
وما لم ينصوا عليه يعتبر فيه عرف البلد وهل المراد بل العقد أو بلد الزوجة ؟ كل محتمل والثاني أقرب لأن المدار على عارها وعدمه وذلك إنما يعرف بالنسبة لعرف بلدها أي التي هي بها حالة العقد وذكر في الأنوار تفاضلا بين كثير من الحرف ولعله باعتبار عرف بلده ( ليس ) هو أو ابنه وإن سفل ( كفؤ أرفع منه ) لقوله تعالى { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } أي سببه فبعضهم يصله بعز و سهولة وبعضهم بضدهما ( فكناس وحجام وحارس ) وبيطار ودباغ ( وراع ) لا ينافي عده هنا ما ورد ما من نبي إلا رعى الغنم لأن ما هنا باعتبار ما يعرفه الناس وغلب على الرعاء بعد تلك الأزمنة من التساهل في الدين وقلة المروءة [ ص: 282 ] وقضيته أنه لا فرق بين من يرعى مال نفسه ومن يرعى مال غيره بأجرة أو تبرعا ولو قيل في الأول والمتبرع إن فعل ذلك لينعزل به عن الناس ويتأسى بالسلف لم يؤثر كما تقتضيه الأخبار الدالة على شرف من هو كذلك لم يبعد ( وقيم حمام ) هو أو أبوه ( ليس كفؤ بنت خياط ) .
ويظهر أن كل ذي حرفة فيها مباشرة نجاسة كالجزارة على الأصح ليس كفؤ الذي حرفته لا مباشرة فيها لها وأن بقية الحرف التي لم يذكروا فيها تفاضلا متساوية إلا إن اطرد في العرف التفاوت كما مر ثم رأيت ما يؤيد ما ذكرته أولا وهو أن خلافا القصاب ليس كفؤا لبنت السماك للقمولي وهو من يجلب البضائع من غير تقيد بجنس منها للبيع ويظهر أن تعبيرهم بالجلب للغالب كما يدل عليه تعريفهم للتجارة بأنها تقليب المال لغرض الربح وأن من له حرفتان دنيئة ورفيعة اعتبر ما اشتهر به وإلا غلبت الدنيئة بل لو قيل بتغليبها مطلقا - لأنه لا يخلو عن تعيره بها لم يبعد ( أو بزاز ) وهو بائع البز ( ولا هما ) أي كل منهما كفؤ ( بنت عالم أو قاض ) لاقتضاء العرف ذلك وظاهر كلامهم أن المراد ببنت العالم والقاضي من في آبائها المنسوبة إليهم أحدهما وإن علا لأنها مع ذلك تفتخر به ، وكلامه استواء التاجر والبزاز والعالم والقاضي وهو محتمل وفي الروضة أن الجاهل يكافئ العالمة وهو مشكل فإنه يرى اعتبار العلم في آبائها فكيف لا يعتبره فيها إلا أن يجاب بأن العرف يعير بنت العالم بالجاهل ولا يعير العالمة بالجاهل وبحث ( ولا خياط ) كفؤ ( بنت تاجر ) الأذرعي أن العلم مع الفسق لا أثر له إذ لا فخر به حينئذ في العرف فضلا عن الشرع ومثله في ذلك القضاء بل أولى ثم رأيته صرح بذلك فقال إن كان القاضي أهلا فعالم وزيادة أو غير أهل كما هو الغالب في قضاة زماننا تجد الواحد منهم كقريب العهد بالإسلام ففي النظر إليه نظر ويجيء فيه ما سبق في الظلمة المستولين على الرقاب بل هو أولى منهم بعدم الاعتبار لأن النسبة إليه عار [ ص: 283 ] بخلاف الملوك ونحوهم ا هـ وبحث أيضا ونقله غيره عن فتاوى البغوي أن فسق أمه وحرفتها الدنيئة تؤثر أيضا لأن المدار هنا على العرف وهو قاض بذلك وله اتجاه لكن كلامهم صريح في رده . ( تنبيه ) :
الذي يظهر أن مرادهم بالعالم هنا من يسمى عالما في العرف وهو الفقيه والمحدث والمفسر لا غير أخذا مما مر في الوصية وحينئذ فقضيته أن طالب العلم وإن برع فيه قبل أن يسمى عالما يكافئ بنته الجاهل وفيه وقفة ظاهرة كمكافأته لبنت عالم بالأصلين والعلوم العربية ولا يبعد أن من نسب أبوها لعلم يفتخر به عرفا لا يكافئها من ليس كذلك ويفرق بين ما هنا والوصية بأن المدار ثم على التسمية دون ما به افتخار وهنا بالعكس فالعرف هنا غيره ثم فتأمله ، وإذا بحث بعض المتأخرين في حافظ للقرآن عن ظهر قلب مع عدم معرفة معناه أن من لا يحفظه كذلك لا يكافئ بنته فأولى في مسألتنا لكن خالفه كثيرون من معاصريه فقالوا إنه كفؤ لها أي لأنا لا نعتبر جميع الفضائل التي نصوا عليها وإنما نعتبر ما يطرد به الافتخار عرفا بحيث يعد ضده عارا بالنسبة إليه وليس مجرد حفظ القرآن كذلك إلا في بعض النواحي .