الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في موجب العمد وفي العفو وهو سنة مؤكدة وبغير مال أفضل وذلك للآيات والأحاديث منها خبر البيهقي وغيره { ما رفع إليه صلى الله عليه وسلم قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو } بل في مسلم أنه { رفع إليه قاتل أقر فقال لأخي القتيل اعف عنه فأبى فقال اذهب به فلما ولى قال إن قتله فهو في النار } أي لمخالفته الأمر ؛ لأن هذا الإباء فيه إشعار بالإخلال بمزيد احترامه صلى الله عليه وسلم ، أو بنفاق ذلك الأخ فإن قلت فكيف أقره على محرم ؟ قلت : المحرم الإباء ، ولم يقره عليه وأما القود إذا صمم عليه فهو واجب فالحيثية مختلفة ( موجب ) بفتح الجيم ( العمد ) المضمون في نفس ، أو غيرها ( القود ) بعينه ، وهو بفتح الواو القصاص سمي به ؛ لأنهم يقودون الجاني بحبل أو نحوه ( والدية ) في النفس وأرش غيرها ( بدل ) عنه عندهما كالدارمي واعترض بأن قضية كلام الشافعي والأصحاب وصرح به الماوردي في قود النفس [ ص: 446 ] أنها بذل ما جنى عليه وإلا لزم المرأة بقتلها الرجل دية امرأة وليس كذلك . ا هـ ويجاب بأن الخلاف في ذلك لفظي لاتفاقهم على أن الواجب هو دية المقتول فلم يبق لذلك الخلاف كبير فائدة وقد يوجه الأول بأن القود لما وجب عينا كان كحياة نفس القتيل فكان أخذ الدية في الحقيقة بدلا عنه لا عنها ، ولا يلزم عليه ما ذكر لما تقرر أنه كحياة القتيل فتأمله ثم رأيت شيخنا أجاب بنحو ذلك ( عند سقوطه ) بنحو موت أو عفو عنه عليها ( وفي قول ) موجبه ( أحدهما مبهما ) مراده قول أصله لا بعينه الظاهر في أن الواجب هو القدر المشترك بينهما في ضمن أي معين منهما وخبر الصحيحين { من قتل له قتيل فهو بخير الأمرين إما أن يودي وإما أن يقاد } ظاهر في هذا القول ومن ثم صححه المصنف في بعض كتبه وقد يتعين القود ولا دية كما مر في قتل مرتد مرتدا وفيما لو استوفى ما يقابل الدية ، ولم يبق له إلا جز الرقبة وقد تتعين الدية كما في قتل الوالد لولده والمسلم لذمي وقد لا يجب إلا التعزير والكفارة كما في قتل قنه .

                                                                                                                              فائدة روى البيهقي عن مجاهد وغيره أن شريعة موسى صلى الله عليه وسلم تحتم القود وعيسى صلى الله عليه وسلم تحتم الدية فخفف الله تعالى عن هذه الأمة وخيرهم بينهما ( وعلى القولين للولي ) يعني المستحق ( عفو ) عن القود في نفس ، أو طرف ( على الدية ) ، أو نصفها مثلا ( بغير رضا الجاني ) ؛ لأنه مستوفى منه كالمحال عليه والمضمون عنه ولأحد المستحقين العفو بغير رضا الباقين ؛ لأن القود لا يتجزأ ومن ثم لو عفي عن بعض أعضاء الجاني سقط عن كله كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها ومنه يؤخذ أن كل ما يقع الطلاق بربطه به من غير الأعضاء يقع العفو بربطه به وما لا فلا وقياس قولهم لو قال له الجاني خذ الدية عوضا عن اليمين فأخذها ، ولو ساكتا سقط القود وجعل الأخذ عفوا أنه [ ص: 447 ] يأتي نظير ذلك هنا ( وعلى الأول ) الأظهر ( لو أطلق العفو ) عن القود ، ولم يتعرض للدية ، ولا اختارها عقب العفو ( فالمذهب لا دية ) ؛ لأن القتل لا يوجبها والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم وقوله تعالى { فاتباع } أي للمال محمول على العفو عليها أما إذا اختارها عقب العفو فتجب تنزيلا لاختيارها عقبه منزلته عليها بقرينة المبادرة إليها ويظهر ضبط التعقيب هنا بما مر في البيع من عدم تخلل لفظ أجنبي ، وإن قل أو سكوت طويل يعد فاصلا عرفا ، ولو عفا بعض المستحقين وأطلق سقطت حصته ووجب حصة الباقين من الدية ، وإن لم يختاروها ؛ لأن السقوط قهري عليهم كما في قتل الوالد ولو استحال ثبوت المال كما لو قتل أحد قنيه الآخر فعفا عن القود ، أو عن حقه ، أو موجب الجناية ، ولو بعد العتق لم يثبت له عليه مال جزما ( و ) على الأول أيضا ( لو عفا عن الدية لغا ) هذا العفو لوقوعه عما لا يستحقه ( وله العفو ) عن القود ( بعده ) ، وإن تراخى ( عليها ) ؛ لأن حقه لم يتغير بالعفو ؛ لأن اللاغي كالعدم ولو اختار القود ثم الدية وجبت مطلقا .

                                                                                                                              التالي السابق



                                                                                                                              الخدمات العلمية