قوله عز وجل:
قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون
المعنى: قال الله -تعالى- لهذا النبي الداعي: عما قليل يندم قومك على كفرهم حين لا ينفعهم الندم. ومن ذكر الصيحة ذهب إلى أنهم قوم الطبري ثمود ، وقوله: "بالحق" معناه: بما استحقوا من أفعالهم وبما حق منا في عقوبتهم. و"الغثاء": ما يحمله [ ص: 296 ] السيل من زبده ومعتاده الذي لا ينتفع به، فيشبه كل هامد وتالف بذلك، و"بعدا" منصوب بفعل مضمر متروك إظهاره.
ثم أخبر تعالى عن أنه أنشأ بعد هؤلاء أمما كثيرة، كل أمة بأجل وفي كتاب لا تتعداه في وجودها وعند موتها.
و"تترا" مصدر بمنزلة فعلى مثل الدعوى والعدوى ونحوها، وليس "تترا" بفعل، وإنما هو مصدر من: تواتر الشيء، وقرأ الجمهور : "تترا" كما تقدم، ووقفهم بالألف، وحمزة يميلانها، قال والكسائي : هي ألف تأنيث، وقرأ أبو حاتم ، ابن كثير : "تترى" بالتنوين، ووقفهما بالألف، وهي ألف إلحاق، قال وأبو عمرو : يقال: جاءوا تترى وتترى، أي: متواترين، التاء مبدلة من الواو على غير قياس; لأن قياس إبدال الواو تاء إنما هو في "افتعل" وما تصرف منها إذا كانت ياؤه واوا، فإن فاءه تنقلب تاء وتدغم في تاء "افتعل"، وذلك نحو "اتزر واتجه". ابن سيده
وقوله تعالى: فأتبعنا بعضهم بعضا أي: في الإهلاك. وقوله تعالى: وجعلناهم أحاديث يريد أحاديث مثل، وقلما يستعمل الجعل حديثا إلا في الشر.