تفسير سورة القارعة
وهي مكية بلا خلاف.
قوله عز وجل:
القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية
قرأ: "القارعة، ما القارعة" بالنصب عيسى، قال جمهور المفسرين: القارعة: القيامة نفسها; لأنها تقرع القلوب بهولها، وقال قوم من المتأولين: القارعة: صيحة النفخة في الصور; لأنها تقرع الأسماع، وفي ضمن ذلك القلوب. وقوله تعالى: وما أدراك تعظيم لأمرها، وقد تقدم مثله.
و"يوم" ظرف، والعامل فيه "القارعة". وأمال "القارعة"، و"الفراش" طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها ولا يزال يتقحم على المصباح ونحوه حتى يحترق، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: أبو عمرو وقال "وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب"، : الفراش في الآية غوغاء الجراد، وهو صغيره الذي ينتشر [ ص: 678 ] في الأرض والهواء، و"المبثوث" هنا معناه: المتفرق جمعه وجملته موجودة متصلة، وقال بعض العلماء: الناس أول قيامهم من القبور كالفراش المبثوث; لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام، ثم يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر، فهم حينئذ كالجراد المنتشر; لأن الجراد إنما توجهه أبدا إلى ناحية مقصودة. الفراء
واختلف اللغويون في: "العهن" ، فقيل: هو الصوف عاما، وقيل: هو الصوف الأحمر، وقيل: هو الصوف الملون ألوانا، واحتج هؤلاء بقول زهير :
كأن فتات العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم
والفنا: عنب الثعلب، وحبه قبل التحطم منه الأخضر والأحمر والأصفر، وكذلك الجبال جدد بيض وحمر وصفر وسود، فجاء التشبيه ملائما، وكون الجبال كالعهن إنما هو قبل وقت التفتيت قبل النسف ومصيرها هنا، وهي درجات. و"النفش": خلخلة الأجزاء وتفريقها عن تراصها، وفي قراءة ، ابن مسعود : "كالصوف المنفوش". وابن جبير
و"الموازين" هي التي في القيامة، قال جمهور العلماء والفقهاء والمحدثين: ميزان القيامة بعمود وكفتين ليبين الله تعالى أمر العباد بما عهدوه وتيقنوه، وقال : ليس ثم ميزان، إنما هو العدل مثل ذكره بالميزان; إذ هو أعدل ما يدري الناس، وجمعت الموازين للإنسان لما كانت له موزونات كثيرة متغايرة، وثقل هذا الميزان هو بالإيمان والأعمال، وخفته بعدمها وقلتها، ولن يخف خفة موبقة ميزان مؤمن. مجاهد
و"عيشة راضية" معناه: ذات رضى، على النسب، هذا قول الخليل ، وقوله تعالى: وسيبويه فأمه هاوية ، قال كثير من المفسرين: المراد بالأم نفس الهاوية، وهي درك من أدراك النار، وهذا كما يقال للأرض: "أم الناس" لأنها تؤويهم، وكما [ ص: 679 ] قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب: "فنحن بنوها وهي أمنا" فجعل الله تعالى الهاوية أم الكافر لما كانت مأواه، وقال آخرون: هو تفاؤل بشر فيه تجوز، كما قالوا: "أمه ثاكل" و"هوى نجمه"، وقال أبو صالح وغيره: المراد أم رأسه لأنهم يهوون على رؤوسهم. وقرأ : "فأمه" بكسر الهمزة وضم الميم مشددة. طلحة
ثم قرر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على دراية أمرها وتعظيمه، ثم أخبره أنها نار حامية، وقرأ: "ما هي" بطرح الهاء في الوصل ابن إسحاق ، وروى والأعمش المبرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "لا أم لك"، فقال: يا رسول الله، تدعوني إلى الهدى وتقول: لا أم لك؟ فقال: إنما أريد لا نار لك، قال الله تعالى: فأمه هاوية .
كمل تفسير [القارعة] والحمد لله رب العالمين