قوله عز وجل:
ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم
المشهور من الروايات أن هذه الآية نزلت في قصة رضي الله عنه أبي بكر الصديق ابن أبي قحافة ، وذلك أنه كان ابن بنت خالته، وكان من ومسطح بن أثاثة المهاجرين البدريين المساكين، وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، بن عبد مناف ، وقيل: اسمه عوف ، لقب، وكان ومسطح رضي الله عنه ينفق عليه لمسكنته، فلما وقع أمر الإفك وقال أبو بكر ما قال حلف مسطح رضي الله عنه ألا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة أبدا، فجاء أبو بكر فاعتذر وقال: إنما كنت أغشى مجلس مسطح فأسمع ولا أقول، فقال له حسان رضي الله عنه: لقد ضحكت وشاركت فيما قيل، ومر على يمينه فنزلت الآية. أبو بكر
وقال الضحاك رضي الله عنهما: إن جماعة من المؤمنين قطعوا منافعهم عن كل من قال في الإفك وقالوا: والله لا نصل من تكلم في شأن وابن عباس ، فنزلت الآية في جميعهم. والأول أصح، غير أن الآية تتناول الأمة إلى يوم القيامة، بألا يغتاظ ذو فضل وسعة فيحلف ألا ينفع من هذه صفته غابر الدهر. عائشة
ورأى الفقهاء أن من حلف ألا يفعل سنة من السنن أو مندوبا وأبد ذلك أنها جرحة في شهادته، ذكره البلخي في المنتفى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ؟ أيكم المتألي على الله لا يفعل المعروف
و "يأتل" معناه: يحلف، وزنها يفتعل، من الألية وهي اليمين. وقالت فرقة: معناه: يقصر، من قولك: ألوت في كذا إذا قصرت فيه، ومنه قوله تعالى: لا يألونكم [ ص: 363 ] خبالا ، وقرأ : "ولا يتأل"، وهذا وزنه يتفعل من الألية بلا خلاف، وهي في المصحف "ياء تاء لام" فلذلك ساغ هذا الخلاف أبو جعفر بن القعقاع لأبي جعفر وزيد فروياه، وذكر أن خط المصحف مع قراءة الجمهور، فظاهر قوله إن ثم ألفا قبل التاء. و "الفضل والسعة" هنا: المال، وقوله تعالى: "ألا تحبون" الآية تمثيل وحجة، أي: كما تحبون غفران الله لكم عن ذنوبكم فكذلك أغفر لمن دونكم، وينظر إلى هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: الطبري ، فروي أن من لا يرحم لا يرحم رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية أنه قال: إني لأحب أن يغفر الله لي ، ورجع إلى أبا بكر النفقة والإحسان الذي كان يجري عليه، قالت مسطح رضي الله عنها: وكفر عن يمينه . وقرأ عائشة رضي الله عنه، ابن مسعود : "ولتعفوا ولتصفحوا" بالتاء من فوق فيهما، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وسفيان بن حسين
وقال بعض الناس: هذه أرجى آية في كتاب الله عز وجل من حيث لطف الله تعالى فيها بالقذفة العصاة بهذه اللفظة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وإنما تعطي الآية تفضلا من الله عز وجل في الدنيا، وإنما الرجاء في الآخرة، أما إن الرجاء في هذه الآية بقياس، أي إذا أمر أولي السعة بالعفو، فطرد هذا التفضل بسعة رحمته لا رب سواه، وإنما آيات الرجاء قوله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ، وقوله تعالى: الله لطيف بعباده ، وسمعت أبي رحمه الله يقول: [ ص: 364 ] أرجى آية في كتاب الله تعالى عندي قوله: وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ، وقد قال الله تبارك وتعالى في آية أخرى: والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير فشرح الفضل الكبير في هذه الآية وبشر بها المؤمنين في تلك، وقال بعضهم، أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار.