قوله عز وجل:
إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين
قرأ الجمهور: "قول" بالنصب، وقرأ رضي الله عنه، علي بن أبي طالب ، والحسن وابن أبي إسحاق : "قول" بالرفع، واختلف عن الآخرين. قال أبو الفتح : شرط "كان" أن يكون اسمها أعرف من خبرها، فقراءة الجمهور أقوى، والمعنى: إنما كان الواجب أن يقوله المؤمنون إذا دعوا إلى حكم الله ورسوله أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، فـ "كان" هذه ليست إخبارا عن الماضي، وإنما كقول رضي الله عنه: ما كان الصديق أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل الدعاء إلى الله من حيث هو إلى شرعه ودينه. وقرأ الجمهور : "ليحكم" على بناء الفعل للفاعل، وقرأ لابن أبي قحافة ، أبو جعفر والجحدري ، وخالد بن إلياس ، : "ليحكم" على بناء الفعل للمفعول، و "المفلحون": البالغون آمالهم في دنياهم وآخرتهم. والحسن
و "جهد اليمين" بلوغ الغاية في تعقيدها، و "ليخرجن" معناه: إلى الغزو، وهذه في المنافقين الذين تولوا حين دعوا إلى الله ورسوله. وقوله: قل لا تقسموا طاعة معروفة يحتمل معاني: أحدها النهي عن القسم الكاذب; إذ عرف أن طاعتهم دغلة رديئة، فكأنه يقول: لا تغالطوا فقد عرف ما أنتم عليه، والثاني أن يكون المعنى: لا تتكلفوا القسم، طاعة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى عليكم، وفي [ ص: 404 ] هذا الوجه إبقاء عليهم، والثالث أن يكون المعنى: لا تقنعوا بالقسم، طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم هو المطلوب منكم، والرابع أن يكون المعنى: لا تقنعوا لأنفسكم بإرضائنا بالقسم، طاعة الله معروفة، وشرعه وجهاد عدوه مهيع لائح، وقوله تعالى: إن الله خبير بما تعملون متصل بقوله: لا تقسموا ، و طاعة معروفة اعتراض بليغ.
وقوله تعالى: قل أطيعوا الله الآية مخاطبة لأولئك المنافقين وغيرهم من الكفار وكل من يستعلي عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: "تولوا" معناه: تتولوا، محذوف التاء الواحدة، يدل على ذلك قوله تعالى: وعليكم ما حملتم ، ولو جعلنا "تولوا" فعلا ماضيا وقدرنا في الكلام خروجا من خطاب الحاضر إلى ذكر الغائب لاقتضى الكلام أن يكون بعد ذلك: "وعليهم ما حملوا". والذي حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التبليغ ومكافحة الناس بالرسالة وإعماله الجهد في إنذارهم، والذي حمل الناس هو السمع والطاعة واتباع الحق. وباقي الآية بين.
وقرأ ، ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي -رواية ونافع -: "ويتقهي" بياء بعد الهاء، قال ورش : وهو الوجه، وقرأ أبو علي عن قالون : "ويتقه" بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء، وقرأ نافع ، أبو عمرو ، وابن عامر -في رواية وعاصم -: "ويتقه" جزما للهاء، وقرأ أبي بكر حفص عن : "ويتقه" بسكون وكسر الهاء. عاصم