قوله عز وجل:
وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون
المعنى: لم تحضر يا محمد هذه الغيوب التي نخبر بها، ولكنها صارت إليك بوحينا، أي: فكان الواجب أن يسارع إلى الإيمان بك، ولكن تطاول الأمر على القرون التي أنشأناها زمنا زمنا، فعزبت حلومهم، واستحكمت جهالتهم وضلالتهم.
و "قضينا" معناه: أنفذنا وصرفنا، و "الأمر" يعني التوراة. وقالت فرقة: يعني به ما أعلمه الله تبارك وتعالى من أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا تأويل حسن يلتئم معه ما بعده من قوله: ولكنا أنشأنا قرونا .
و "الثاوي": المقيم. وقوله: وما كنت بجانب الطور يريد: وقت إنزال التوراة إلى موسى ، وقوله تعالى: إذ نادينا ، روي عن رضي الله عنه أبي هريرة أنه نودي يومئذ من السماء: "يا أمة محمد ، استجبت لكم قبل أن تدعوني، وغفرت لكم قبل أن تسألوني ، فحينئذ يسأل موسى عليه السلام أن يكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: [ ص: 596 ] إذ نادينا بأمرك، وأخبرناك بنبوتك. وقوله: "رحمة" نصب على المصدر، أو على المفعول من أجله، وقوله: "ولكن" جعلناك وأنفذنا أمرك قديما رحمة من ربك، أي: ويكون المعنى: ولكن أعلمناك رحمة منا لك وإفضالا، وقرأ الناس: "رحمة" بالنصب، وقرأ : "رحمة" بالرفع. ويريد بالقوم "الذين لم يأتهم نذير" معاصريه من عيسى العرب ، وباقي الآية بين، وقال : "معنى قوله: الطبري إذ نادينا بأن الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا الآية.