قوله عز وجل:
يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون
هذه الآيات نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة، فأخبرهم تعالى بسعة أرضه، وأن البقاء في بقعة على أذى الكفار ليس بصواب، بل الصواب أن تلتمس عبادة الله تعالى في أرضه. وقال ، ابن جبير ، وعطاء : إن الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية، وتلزم الهجرة عنها إلى بلد حق، وقاله ومجاهد ، وقال مالك : قوله: مطرف بن الشخير إن أرضي واسعة عدة بسعة الرزق في جميع الأرض.
وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وعاصم : "يا عبادي" بفتح الياء، وقرأ وابن عامر ، أبو [ ص: 657 ] عمرو ، وحمزة بسكونها، وكذلك قرأ والكسائي نافع : "أرضي" ساكنة. وقوله تعالى: وعاصم فإياي منصوب بفعل مقدر يدل عليه الظاهر، تقديره: "فإياي اعبدوا فاعبدون"، على الاهتمام أيضا في التقدير.
وقوله تعالى: كل نفس ذائقة الموت الآية، تحقير لأمر الدنيا ومخاوفها، كأن بعض المؤمنين نظر في عاقبة ما يلحقه في خروجه من وطنه أنه يموت أو يجوع ونحو هذا، فحقر الله تعالى شأن الدنيا، أي: أنتم لا محالة ميتون ومحشورون إلى الله تبارك وتعالى، فالبدار إلى طاعة الله تعالى والهجرة إليه أولى ما يمتثل.
وقرأ الجمهور : "ترجعون" بالتاء من فوق، ورويت عن بالياء من تحت، وذكرها عاصم عن أبو حاتم ، وقرأ أبي عمرو أبو حيوة : "كل نفس ذائقة" بالتنوين "الموت" بالنصب.
ثم وعد المؤمنين العاملين بسكنى الجنة تحريضا منه تعالى، وذكر الجزاء الذي ينالونه، وقرأ جمهور القراء: "لنبوئنهم" بالباء، أي: لننزلنهم ولنمكننهم ليدوموا فيها، و "غرفا" مفعول ثان; لأنه فعل يتعدى إلى مفعولين. وقرأ : "لنثوينهم"، من أثوى يثوي، وهو معدى ثوى بمعنى أقام، وهي قراءة حمزة رضي الله عنه، علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، والربيع بن خيثم ، وابن وثاب ، وقرأها بعضهم بفتح الثاء وتشديد الواو معدى بالتضعيف لا بالهمزة، وقوله: "غرفا" نصب بإسقاط حرف الجر، والتقدير: في غرف، وقرأ وطلحة : "لنبوينهم" بالياء من تحت، وروي عن يعقوب : "غرفا" بضم الغين والراء. ابن عامر
ثم وصفهم تعالى بالصبر والتوكل، وهاتان جماع الخير كله، أي: الصبر على الطاعات، وعن الشهوات.
[ ص: 658 ]