أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين أم له البنات ولكم البنون أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم
قوله تعالى: أم عندهم خزائن ربك بمنزلة قوله تعالى: "أم عندهم الاستغناء عن الله في جميع الأمور"؟ لأن المال والصحة والقوة غير ذلك من الأشياء كلها من خزائن الله تبارك وتعالى. قال : وقيل: يريد بالخزائن العلم، وهذا قول حسن إذا تؤمل وبسط، قال الزهراوي : خزائنه تعالى: مقدوراته. و: "المصيطر": المسلط القاهر، وبذلك فسر الرماني رضي الله عنهما، وأصله السين، ولكن كتبه بعض الناس وقرأه بالصاد مراعاة للطاء ليتناسب النطق، وحكى ابن عباس : "تسيطرت علي" إذا اتخذتني خولا. أبو عبيدة
و"السلم": السبب الذي يصعد به، كان ما كان، من خشب أو بناء أو حبال أو غيره، ومنه قول ابن مقبل:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا تبنى له في السماوات السلاليم
وحكى قال: لا يقال "سلم" لما بني من الأدراج وإنما السلم المشبك، وبيت الشعر يرد عليه، والمعنى: ألهم سلم إلى السماء يستمعون فيه؟ أي: عليه ومنه، وهذه حروف يسد بعضها مسد بعض، والمعنى: يستمعون الخبر بصحة [ ص: 100 ] ما يدعون، فليأتوا بالحجة المبينة في ذلك. الرماني
وقوله تعالى: أم له البنات الآية... معناه: أم هم أهل الفضيلة علينا فيلزم لذلك انتحاؤهم وتكبرهم؟ ثم قال تعالى: أم تسألهم يا محمد على الإيمان بالله تعالى وشرعه أجرة يثقلهم غرمها فهم لذلك يكرهون الدخول فيما يوجب غرامتهم؟ ثم قال تعالى: أم عندهم علم الغيب فهم يبينون ذلك للناس سننا وشرعا يكتبونه، وذلك عبادة الأوثان وتسييب السوائب وغير ذلك من شرهم؟ وقيل: المعنى: فهم يعلمون متى يموت محمد الذي يتربصون به؟ و "يكتبون" بمعنى يحكمون، وقال رضي الله عنهما: يعني أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه ويخبرون؟ ثم قال تعالى: أم يريدون كيدا بك وبالشرع؟ ثم جزم الخبر بأنهم هم المكيدون، أي المغلوبون، فسمى تعالى غلبتهم كيدا إذ كانت عقوبة الكيد. ابن عباس
ثم قال تعالى: أم لهم إله غير الله يعصمهم ويمنعهم منهم ويدفع في صدر إهلاكهم، ثم نزه تبارك و تعالى نفسه عما يشركون به من الأصنام والأوثان، وهذه الأشياء التي وقفهم تعالى عليها حصرت جميع المعاني التي توجب الانتخاء والتكبر والبعد من الائتمار، فوقفهم تعالى عليها، أي ليست لهم، ولا بقي شيء يوجب ذلك إلا أنهم قوم طاغون، وهذه صفة فيها تكسبهم وإيثارهم، فتعلق بذلك عقابهم. ثم وصفهم تعالى بأنهم على الغاية من العتو والتمسك بالأقوال الباطلة في قوله تعالى: وإن يروا كسفا الآية، وذلك أن قريشا كان في جملة ما اقترحت "أن تسقط السماء علينا كسفا" وهي القطع، واحدها كسفة، وتجمع أيضا على "كسف" كتمرة وتمر، قال : هي التي تكون بقدر ما يكسف ضوء الشمس، فأخبر الله تعالى عنهم في هذه الآية أنهم لو رأوا كسفا ساقطا حسب اقتراحهم لبلغ بهم العتو والجهل والبعد عن الحق أن يغالطوا أنفسهم وغيرهم ويقولوا: "سحاب مركوم"، أي كثيف قد تراكم بعضه فوق بعض، ولهذه الآية نظائر في آيات أخر. الرماني
[ ص: 101 ]