قوله عز وجل:
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
الذين حملوا التوراة هم بنو إسرائيل والأحبار المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، و"حملوا" معناه: كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها، فهذا كمال حمل الإنسان الأمانة، وليس ذلك من الحمل على الظهر وإن كان مشتقا منه، وذكر تعالى أنهم لم يحملوها، أي: لم يطيعوا أمرها ويقفوا عند حدها حين بمحمد صلى الله عليه وسلم والتوراة تنطق بنبوته، فكان كل خير لم ينتفع به من حمله، كمثل حمار عليه أسفار، فهي عنده والزبل وغير ذلك بمنزلة واحدة. كذبوا
وقرأ : "حملوا" بفتح الحاء والميم مخففة، وقرأ يحيى بن يعمر "يحمل" بضم الياء وفتح الحاء وشد الميم المفتوحة، وفي مصحف المأمون العباسي: : "كمثل حمار" بغير تعريف، و"السفر": الكتاب المجتمع الأوراق منضدة، ثم بين تعالى حال مثلهم وفساده بقوله سبحانه: ابن مسعود بئس مثل القوم والتقدير: بئس المثل مثل القوم. وقوله تعالى: قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم الآية. روي أنها نزلت بسبب أن [ ص: 302 ] يهود المدينة لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبوا يهود خيبر في أمره، فذكروا لنبوته، هم نبوته، وقالوا لهم: إن رأيتم أتباعه أطعناكم، وإن رأيتم خلافه خالفناه معكم، فجاءهم جواب أهل خيبر يقولون: نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن، وأبناء عزير ابن الله، ومنا الأنبياء، ومتى كانت النبوة في العرب؟ نحن أحق بالنبوة من محمد عليه الصلاة والسلام-، ولا سبيل إلى اتباعه، فنزلت الآية بمعنى: أنكم إذا كنتم من الله بهذه المنزلة فقربه وفراق هذه الحياة الخسية أحب إليكم فتمنوا الموت إن كنتم صادقين تعتقدون في أنفسكم هذه المنزلة.
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لا يتمنونه ولا يلقونه إلا كرها لعلمهم بسوء حالهم عند الله وبعدهم عنه، هذا هو اللازم من ألفاظ الآية، وروى كثير من المفسرين أن الله تعالى جعل هذه الآية معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وآية باهرة، وأعلمه أنه إن تمنى أحد منهم الموت في أيام معدودة مات وفارق الدنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: في جهة التعجيز وإظهار الآية، فما تمناه أحد خوفا من الموت وثقة بصدق "تمنوا الموت" محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم توعدهم تعالى بالموت الذي لا محيد لهم عنه، ثم بما بعده من الرد إلى الله تعالى، وقرأ رضي الله عنه: "تفرون منه ملاقيكم" بإسقاط "فإنه". ابن مسعود
وقوله تعالى: "فينبئكم" أي" إنباء معاقب مجاز عليه بالتعذيب، وقرأ ابن أبي إسحاق : "فتمنوا الموت" بكسر الواو، وكذلك . يحيى بن يعمر