إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا
المخاطبة بقوله تعالى: إن تتوبا إلى الله هي لحفصة رضي الله عنهما، وفي حديث وعائشة وغيره عن البخاري رضي الله عنهما قال: قلت ابن عباس : من لعمر قال: اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حفصة ، وقوله تعالى: وعائشة فقد صغت قلوبكما معناه: مالت عن المعدلة والصواب، والصغا: الميل، ومنه صاغية الرجل، وهم حواشيه الذين يميلون إليه، ومنه: أصغى إليه بسمعه، وأصغى الإناء، وفي قراءة رضي الله عنه: "فقد زاغت قلوبكما"، والزيغ: الميل، وعرفه في خلاف الحق، قال عبد الله بن مسعود : كما نرى "صغت" شيئا هينا حتى سمعنا قراءة مجاهد : "زاغت"، وجمع القلوب من حيث الاثنان جمع ومن حيث لا لبس في اللفظ، وهذا نظير قول الشاعر : ابن مسعود
. . . . . . . . . . . . . . . ظهراهما مثل ظهور الترسين
[ ص: 343 ] ومعنى الآية: إن تبتما فقد كان منكما ما ينبغي أن يتاب منه، وهذا الجواب الذي هو للشرط هو متقدم في المعنى، وإنما ترتب جوابا في اللفظ، و"إن تظاهرا" معناه: تتعاونا، فأدغمت التاء في الظاء بعد البدل، وقرأ بتاءين على الأصل، وقرأ الكوفيون عكرمة مولى ابن عباس ، وطلحة ، وأبو رجاء : بتخفيف الظاء على حذف التاء الواحدة، وروي عن والحسن أنه قرأ بتشديد الظاء والهاء دون ألف، و"المولى": الناصر والمعين، وقوله تعالى: ابن عمر وجبريل وصالح المؤمنين يحتمل أن يكون عطفا على اسم الله تعالى في قوله: "هو"، فيكون وجبريل وصالح المؤمنين في الولاية، ويحتمل أن يكون "جبريل" رفعا بالابتداء، وما بعده عطف عليه و"ظهير" الخبر، فيكونون حينئذ من الظهر لا في الولاية، ويختص بأنه مولى الله سبحانه وتعالى.
واختلف الناس في "صالح المؤمنين"، فقال وغيره من العلماء: ذلك على العموم ويدخل في ذلك كل صالح، وقال الطبري ، الضحاك ، وابن جبير : المراد وعكرمة أبو بكر رضي الله عنهما، ورواه وعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن مسعود نحوه، وقال أيضا: مجاهد رضي الله عنه، وروى وعلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: علي " علي بن أبي طالب ذكره "صالح المؤمنين ، وقال الثعلبي ، قتادة والعلاء بن زياد ، وغيرهما: هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما يترتب ذلك بأن تكون مظاهرتهم بأنهم قدوة وأسوة، فهم عون بهذا، وقوله تعالى: وصالح المؤمنين يحتمل أن يكون اسم جنس مفردا، ويحتمل أن يريد: "وصالحوا" فحذفت الواو في خط المصحف كما حذفوها في قوله تعالى: سندع الزبانية وغير ذلك.
ويروى عن رضي الله عنه أنس بن مالك أن رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لا تكترث بأمر نسائك، والله معك عمر بن الخطاب وجبريل معك وأبو بكر معك، وأنا معك، فنزلت الآية موافقة نحوا من قول . عمر قال المهدوي: روي أن [ ص: 344 ] هذه الآية نزلت على لسان رضي الله عنه، وكذا روي أن عمر رضي الله عنه قال لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم: "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن"، فنزلت الآية على نحو قوله، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قالت لي عمر : "يا أم سلمة أدخلت نفسك في كل شيء حتى دخلت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين نسائه"، فأخذتني أخذا كسرتني به، وقالت لي ابن الخطاب : يا زينب بنت جحش : أما يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟ وقرأ الجمهور: "طلقكن" بفتح القاف وإظهاره، وقرأ عمر -في رواية أبو عمرو عنه- بإدغامها في الكاف وشدها، قال ابن عباس : وإدغام القاف في الكاف حسن، وقرأ أبو علي ابن كثر، ، والكوفيون، وابن عامر ، والحسن ، وأبو رجاء وابن محيصن: "أن يبدله" بسكون الباء وتخفيف الدال، وقرأ ، نافع ، وأبو عمرو ، والأعرج : "أن يبدله" بفتح الباء وشد الدال، وهذه لغة القرآن في هذا الفعل. وأبو جعفر
وكرر الله تعالى الصفات مبالغة وإن كان بعضها يتضمن بعضا، فالإسلام إشارة إلى التصديق والعمل، والإيمان تخصيص وتنبيه على شرف وقعه، و"قانتات" معناه: مطيعات، و"السائحات" قيل: معناه صائمات، قاله ، أبو هريرة ، وابن عباس وقتادة ، وذكر والضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله: وقيل: معناه: مهاجرات، قاله الزجاج ، وقال زيد بن أسلم : ليس في الإسلام سياحة إلا الهجرة، وقيل: معناه: ذاهبات في طاعة الله، وشبه الصائم بالسائح من حيث ينهمك السائح ولا ينظر في زاد ولا مطعم، وكذلك الصائم يمسك عن ذلك فيستوي هو والسائح في الامتناع وشظف العيش لفقد الطعام، وقوله تعالى: "ثيبات وأبكارا" تقسيم لكل واحدة من الصفات المتقدمة، وليست هذه الواو مما يمكن أن يقال فيها: واو الثمانية; لأنها هنا ضرورية ولو سقطت لاختل المعنى. ابن زيد