والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعلمون
"الأمانات" جمع أمانة، وجمعها لأنها تكون متنوعة من حيث هي في الأموال والأسرار، وفيما بين العبد وربه فيما أمره ونهاه عنه، قال الدين كله أمانة، وقرأ الحسن: وحده من السبعة: "لأمانتهم" بالإفراد، و"العهد": كل ما تقلده الإنسان من قول أو فعل أو مودة، إذا كانت هذه الأشياء على طريق البر فهو عهد ينبغي رعيه وحفظه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابن كثير و"راعون" جمع راع أي: حافظ. "حسن العهد من الإيمان".
وقوله تعالى: والذين هم بشهاداتهم قائمون معناه -في قول جماعة من المفسرين- أنهم يحفظون ما يشهدون فيه ويتيقنونه ويقومون بمعانيه حتى لا يكون لهم فيه تقصير، وهذا هو وصف من تمثيل قول النبي عليه الصلاة والسلام وقال آخرون: معناه: الذين إذا كانت عندهم شهادة ورأوا حقا يدرس، أو حرمة لله تعالى تنتهك قاموا بشهادتهم، قال "على مثل الشمس فاشهد"، رضي الله عنهما: شهادتهم في هذه الآية أن الله تعالى وحده لا شريك له، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ابن عباس واختلف الناس في معنى هذا الحديث بحسب المعنيين اللذين ذكرنا في الآية: إحداهما أن يكون يحفظهما متقنة فيأتي بها ولا يحتاج أن يستفهم [ ص: 411 ] عن شيء منها ولا أن يعارض، والثاني إذا ما رأى حقا يعمل بخلافه وعنده في إحياء الحق شهادة، وروي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها". واختلف الناس في معنى هذا الحديث، فقال بعضهم: هم قوم مؤمنون يتعرضون ويحرصون على وضع أسمائهم في وثائق الناس، وينصبون لذلك الحبائل من زي وهيئة، وهم غير عدول في أنفسهم، فيغرون بذلك ويضرون. "سيأتي قوم يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، ويظهر فيهم السمن"،
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهذا في ابتداء الشهادة لا في أدائها، ويجيء قوله عليه الصلاة والسلام: أي: وهم غير أهل لذلك. "ولا يستشهدون"،
وقال آخرون من العلماء: هم شهود الزور، يؤدونها والمشهود عليهم لم يشهدهم ولا الآخر.
وقرأ حفص عن : "بشهاداتهم" على الجمع، وهي قراءة عاصم عبد الرحمن ، والباقون "بشهادتهم" على الإفراد الذي هو اسم الجنس. و"المحافظة على الصلاة" إقامتها في أوقاتها بشروط صحتها وكمالها، وقال : يدخل في هذه الآية التطوع. وقوله تعالى: ابن جريج فمال الذين كفروا قبلك مهطعين الآية. نزلت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند الكعبة أحيانا ويقرأ القرآن، فكان كثير من الكفار يقومون من مجالسهم مسرعين إليه يتسمعون قراءته، ويقول بعضهم لبعض: شاعر وكاهن ومفتر وغير ذلك. و"قبلك" معناه: فيما يليك، و"المهطع" الذي يمشي مسرعا إلى شيء قد أقبل عليه ببصره، وقال : لا يطرف. ابن زيد
[ ص: 412 ] و"عزين" جمع عزة، قال بعض النحاة: أصلها عزوة، وقال آخرون منهم، أصلها عزهة وجمعت بالواو والنون عوضا مما انحذف منها نحو سنة وسنون، ومعنى العزة: الجمع اليسير، فكأنهم قالوا: ثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، ومنه قول الراعي:
أخليفة الرحمن إن عشيرتي ... أمسى سراتهم إليك عزينا
وقال رضي الله عنه: أبو هريرة وقوله تعالى: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم حلق متفرقون فقال: "ما لي أراكم عزين"؟ . أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم نزلت لأن بعض الكفار قالت: إن كانت ثم آخرة وجنة فنحن أهلها وفيها; لأن الله تعالى لم ينعم علينا في الدنيا بالمال والبنين وغير ذلك إلا لرضاه عنا. وقرأ السبعة، ، والجمهور: "يدخل" بضم الياء وفتح الخاء على البناء للمفعول، وقرأ والحسن عن المفضل ، عاصم ، وابن يعمر وأبو رجاء : "يدخل" بفتح وضم الخاء على بناء الفعل للفاعل، وقوله تعالى: "كلا" رد لقولهم وطمعهم، أي: ليس الأمر كذلك. وطلحة
ثم أخبر تعالى عن خلقهم من نطفة قذرة، فأحال في العبارة عنها إلى علم الناس، أي: من خلق من ذلك فليس بنفس خلقه يعطى الجنة، بل بالأعمال الصالحة إن كانت، وقال في تفسيرها: إنما خلقت من قذر يا ابن قتادة آدم فاتق الله تعالى، وقال : كان أنس رضي الله عنه إذا خطبنا ذكر مناتن ابن أبو بكر آدم، ومروره في مجرى البول مرتين، وكونه نطفة في الرحم ثم علقة ثم مضغة إلى أن يخرج فيتلوث في نجساته طفلا، فلا يقلع رضي الله عنه حتى يقذر أحدنا نفسه. أبو بكر