تفسير سورة [الإخلاص]
هذه السورة مكية، قاله -بخلاف عنه- مجاهد وعطاء ، وقال وقتادة ، ابن عباس والقرطبي : هي مدنية. وأبو العالية
قوله عز وجل:
قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
قرأ ، عمر بن الخطاب ، وابن مسعود "قل هو الله أحد الواحد الصمد" ، وروى والربيع بن خيثم: أبي بن كعب أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربه -تعالى عما يقول الجاهلون- فنزلت هذه السورة، وروى ابن عباس محمد، صف لنا ربك وانسبه، فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها، فارتعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشيا عليه ونزل عليه جبريل عليهما السلام بهذه السورة، وقال أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا وقال أبو العالية : الأحزاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأتاه الوحي بهذه السورة. قتادة
و"أحد" معناه: واحد فرد من جميع جهات الوحدانية، ليس كمثله شيء، و"هو" ابتداء و"الله" ابتداء ثان وأحد خبره، والجملة خبر الأول، وقيل: "هو" [ ص: 711 ] ابتداء، و"الله" خبره، و"أحد" بدل منه، وحذف التنوين من "أحد" لالتقاء الساكنين فقرأ " الله أحد الله"، وأثبته الباقون مكسورا للالتقاء، وأما وقفهم كلهم فبسكون الدال، وقد روي عن أبو عمرو الوصل بسكون الدال، وروي عنه أيضا تنوينها. أبي عمرو
و"الصمد" في كلام العرب: السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويستقل بها، وأنشدوا:
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وبهذا تتفسر هذه الآية; لأن الله تعالى جلت قدرته هو موجود الموجودات، وإليه تصمد، وبه قوامها، ولا غني بنفسه إلا هو سبحانه تبارك وتعالى. وقال كثير من المفسرين: الصمد: الذي لا جوف له، كأنه بمعنى المصمت، وقال : هو الذي لا يأكل ولا يشرب. وفي هذا التفسير كله نظر; لأن الجسم في غاية البعد عن الله تعالى وعن صفاته، فما الذي يعطينا هذه العبارات؟ و"الله الصمد" ابتداء وخبر وقيل: "الصمد" نعت والخبر فيما بعد. الشعبي
وقوله تعالى: لم يلد ولم يولد رد على إشارة الكفار في النسب الذي سألوه، وقال رضي الله عنهما: "تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في ذات الله عز وجل". ابن عباس
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لأن الأفهام تقف دون ذلك حسيرة، والمؤمنون يعرفون الله تعالى بواجب وجوده، وافتقار كل شيء إليه، واستغنائه عن كل شيء وينفي العقل عنه كل ما لا يليق به عز [ ص: 712 ] وجل، وأن ليس كمثله شيء، وكل ما ذكرته فهو في ضمن هذه السورة الوجيزة البليغة. وقوله تعالى: ولم يكن له كفوا أحد معناه: ليس له ضد ولا ند ولا شبيه، والكفؤ والكفاء: النظير، وقرأ: "كفوا" -بضم الكاف وهمز مسهل- ، نافع ، والأعرج ، وأبو جعفر وشيبة . وقرأ بالهمز ، عاصم -بخلاف عنه، وقرأ وأبو عمرو ، حمزة :"كفؤا" بالهمز وإسكان الفاء، وروي عن وأبو عمرو : "كفا" بفتح الفاء وبغير همز، وقرأ نافع سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس : "ولم يكن له كفاء" بكسر الكاف وفتح الفاء، والمد، و"كفوا" خبر "كان"، واسمها "أحد"، والظرف ملغى، رحمه الله تعالى يستحسن أن يكون الظرف -إذا تقدم- خبرا، ولكن قد يجيء ملغى في أماكن يقتضيها المعنى كهذه الآية، وكما قال الشاعر: وسيبويه
-أنشده -: سيبويه
ما دام فيهن فصيل حيا.
ويحتمل أن يكون "كفوا" حال لما تقدم من كونه وصفا لنكرة، كما قال:
لعزة موحشا طلل . . . . . . . . . . .
[ ص: 713 ] قال : وهذا يقل في الكلام، وبابه الشعر، وقال صلى الله عليه وسلم: سيبويه قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن" . إن
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لما فيها من التوحيد.
كمل تفسير سورة [الإخلاص] والحمد لله رب العالمين.