قوله - عز وجل -:
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم
قرأ جمهور القراء: والسارق والسارقة ؛ بالرفع؛ وقرأ ؛ عيسى بن عمر : "والسارق والسارقة"؛ بالنصب؛ قال وإبراهيم بن أبي عبلة - رحمه الله -: الوجه في [ ص: 161 ] كلام العرب النصب؛ كما تقول: زيدا اضربه؛ ولكن أبت العامة إلا الرفع - يعني عامة القراء وجلهم - قال سيبويه : الرفع في هذا؛ وفي قوله: سيبويه الزانية والزاني ؛ وفي قول الله: واللذان يأتيانها منكم ؛ هو على معنى: "فيما فرض عليكم".
والفاء في قوله تعالى: "فاقطعوا"؛ ردت المستقل غير مستقل؛ لأن قوله: "فيما فرض عليكم السارق"؛ جملة حقها وظاهرها الاستقلال؛ لكن المعنى المقصود ليس إلا في قوله: "فاقطعوا"؛ فهذه الفاء هي التي ربطت الكلام الثاني بالأول؛ وأظهرت الأول هنا غير مستقل؛ وقال - وهو قول جماعة من البصريين -: أختار أن يكون "والسارق والسارقة"؛ رفعا بالابتداء؛ لأن القصد ليس إلى واحد بعينه؛ فليس هو مثل قولك: "زيدا فاضربه"؛ إنما هو كقولك: "من سرق فاقطع يده"؛ قال أبو العباس المبرد : هو المختار. الزجاج
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: أنزل النوع السارق منزلة الشخص المعين؛ وقرأ سيبويه ؛ عبد الله بن مسعود : "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم"؛ وقال وإبراهيم النخعي الخفاف: وجدت في مصحف : "والسرق والسرقة"؛ هكذا ضبطا بضم السين المشددة؛ وفتح الراء المشددة فيهما؛ هكذا ضبطهما أبي بن كعب . أبو عمرو
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: ويشبه أن يكون هذا تصحيفا من الضابط؛ لأن قراءة الجماعة إذا كتب "السارق"؛ بغير ألف وافقت في الخط هذه.
وأخذ ملك الغير يتنوع بحسب قرائنه؛ فمنه الغصب؛ وقرينته علم المغصوب منه وقت الغصب؛ أو علم مشاهد غيره؛ ومنه الخيانة؛ وقرينتها أن الخائن قد طرق إلى المال بتصرف ما؛ ومنه السرقة؛ وقرائنها أن يؤخذ مال لم يطرق إليه على غير علم من المسروق ماله؛ وفي خفاء من جميع الناس؛ فيما يرى السارق؛ وهذا هو الذي [ ص: 162 ] يجب عليه القطع؛ وحده؛ من بين أخذة الأموال؛ لخبث هذا المنزع؛ وقلة العذر فيه؛ وحاط الله تعالى البشر على لسان نبيه بأن منها الإخراج من حرز؛ ومنها القدر المسروق؛ على اختلاف أهل العلم فيه؛ ومنها أن يعلم السارق بتحريم السرقة؛ وأن تكون السرقة فيما يحل ملكه؛ فلفظ "والسارق"؛ في الآية عموم معناه الخصوص. القطع لا يكون إلا بقرائن:
فأما القدر المسروق فقالت طائفة: لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا؛ قال به ؛ عمر بن الخطاب ؛ وعثمان بن عفان وعلي؛ ؛ وعائشة ؛ وعمر بن عبد العزيز ؛ والأوزاعي ؛ والليث ؛ والشافعي - رضي الله عنهم - وفيه حديث عن النبي - صلى اللـه عليه وسلم - أنه قال: وأبو ثور وقال "القطع في ربع دينار فصاعدا"؛ - رحمه الله -: مالك أو في ثلاثة دراهم؛ فإن سرق درهمين - وهي ربع دينار - لانحطاط الصرف؛ لم يقطع؛ وكذلك العروض لا يقطع فيها؛ إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم؛ قل الصرف أو كثر؛ وقال تقطع اليد في ربع دينار؛ ؛ إسحاق بن راهويه : إن كانت قيمة السلعة ربع دينار؛ أو ثلاثة دراهم قطع فيهما؛ قل الصرف أو كثر؛ وفي القطع قول رابع؛ وهو أن لا قطع إلا في خمسة دراهم؛ أو قيمتها؛ روي هذا عن وأحمد بن حنبل ؛ وبه قال عمر ؛ سليمان بن يسار ؛ وابن أبي ليلى وابن شبرمة ؛ ومنه قول : "قطع أنس بن مالك في مجن قيمته خمسة دراهم". أبو بكر
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: ولا حجة في هذا على أن الخمسة حد.
وقال وأصحابه؛ أبو حنيفة : لا قطع في أقل من عشرة دراهم؛ وقال وعطاء ؛ أبو هريرة : لا تقطع اليد في أقل من أربعة دراهم؛ وقال وأبو سعيد الخدري عثمان البتي : تقطع اليد في درهم فما فوقه؛ وحكى أن الطبري قطع في درهم؛ وروي عن عبد الله بن الزبير أنه قال: تقطع اليد في كل ما له قيمة قل أو [ ص: 163 ] كثر؛ على ظاهر الآية؛ وقد حكى الحسن بن أبي الحسن نحوه عن الطبري - رضي الله عنهما -؛ وهو قول أهل الظاهر؛ وقول ابن عباس الخوارج؛ وروي عن أيضا أنه قال: تذاكرنا القطع في كم يكون؛ على عهد الحسن زياد ؛ فاتفق رأينا على درهمين؛ وأكثر العلماء على أن وروي عن التوبة لا تسقط عن السارق القطع؛ أنه إذا تاب قبل أن يقدر عليه؛ وتمتد إليه يد الأحكام؛ فإن القطع يسقط عنه قياسا على المحارب؛ وجمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز؛ وقال الشافعي إذا جمع الثياب في البيت قطع؛ وإن لم يخرجها. الحسن بن أبي الحسن:
وقوله تعالى: فاقطعوا أيديهما ؛ جمع الأيدي من حيث كان لكل سارق يمين واحدة؛ وهي المعرضة للقطع في السرقة أولا؛ فجاءت للسراق أيد؛ وللسارقات أيد؛ فكأنه قال: "اقطعوا أيمان النوعين"؛ فالتثنية في الضمير إنما هي للنوعين؛ قال عن بعض النحويين: إنما جعلت تثنية ما في الإنسان منه واحد جمعا؛ كقوله: الزجاج صغت قلوبكما ؛ لأن أكثر أعضائه فيه منه اثنان؛ فحمل ما كان فيه الواحد على مثال ذلك؛ قال أبو إسحاق : وحقيقة هذا الباب أن ما كان في الشيء منه واحد لم يثن؛ ولفظ به على لفظ الجمع؛ لأن الإضافة تبينه؛ فإذا قلت: "أشبعت بطونهما؛ علم أن للاثنين بطنين.
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: كأنهم كرهوا اجتماع تثنيتين في كلمة.
واختلف العلماء في فمذهب ترتيب القطع؛ - رحمه الله -؛ وجمهور الناس أن تقطع اليمنى من يد السارق؛ ثم - إن عاد - قطعت رجله اليسرى؛ ثم - إن عاد - قطعت يده اليسرى؛ ثم - إن عاد - قطعت رجله اليمنى؛ ثم إن سرق عزر؛ وحبس؛ وقال مالك - رضي الله عنه -؛ علي بن أبي طالب ؛ والزهري ؛ وحماد بن أبي سليمان : تقطع يده اليمنى؛ ثم - إن سرق - قطعت رجله اليسرى؛ ثم - إن سرق - عزر وحبس؛ وروي عن وأحمد بن حنبل : لا تقطع في السرقة إلا اليد اليمنى فقط؛ ثم - إن سرق - عزر وحبس. عطاء بن أبي رباح
[ ص: 164 ] قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وهذا تمسك بظاهر الآية؛ والقول شاذ؛ فيلزم - على ظاهر الآية - أن تقطع اليد ثم اليد؛ ومذهب جمهور الفقهاء أن وروي عن القطع في اليد من الرسغ؛ وفي الرجل من المفصل؛ - رضي الله عنه - أن القطع في اليد من الأصابع؛ وفي الرجل من نصف القدم. علي بن أبي طالب
وقوله تعالى: جزاء بما كسبا ؛ نصبه على المصدر؛ وقال : مفعول لأجله؛ وكذلك: الزجاج نكالا من الله ؛ والنكال: العذاب؛ والنكل: القيد؛ وسائر معنى الآية بين؛ وفيه بعض الإعراب حكاية.