قوله عز وجل:
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير
[ ص: 246 ] مقصد هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا والكفار والمهاجرين بعد الحديبية، وذكر نسب بعضهم من بعض، فقدم أولا ذكر المهاجرين وهم أصل الإسلام، وانظر تقديم رضي الله عنه لهم في الاستشارة، وهاجر: معناه: هجر أهله وقرابته وهجروه، و ( جاهدوا ) معناه: أجهدوا أنفسهم في حرب من أجهد نفسه في حربهم. عمر والذين آووا ونصروا هم الأنصار، وآوى معناه: هيأ مأوى وهو الملجأ والحرز، فحكم الله على هاتين الطائفتين بأن بعضهم أولياء بعض، فقال كثير من المفسرين: هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي، وعليه فسر الآية، وهذا الذي قالوا لازم من دلالة اللفظ، وقال الطبري رضي الله عنهما، ابن عباس ، وقتادة ، وكثير منهم: إن هذه الموالاة هي في الميراث، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين ومجاهد المهاجرين والأنصار، وكانت بين الأنصار أخوة النسب، وكانت أيضا بين بعض المهاجرين، فكان المهاجري إذا مات ولم يكن له بالمدينة مهاجري ورثه أخوه الأنصاري، وإن كان له ولي مسلم لم يهاجر، وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري فلا يرثه. قال : واستمر أمرهم كذلك إلى فتح ابن زيد مكة ، ثم توارثوا بعد ذلك لما لم تكن هجرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فذهبت هذه الفرقة إلى أن هذا هو مقصد الآية، ومن ذهب إلى أنها في التآزر والتعاون فإنما يحمل نفي الله تعالى ولايتهم عن المسلمين على أنها صفة الحال، لا أن الله حكم بأن لا ولاية بين المهاجرين وبينهم جملة، وذلك أن حالهم إذا كانوا متباعدي الأقطار تقتضي أن بعضهم إن حزبهم حازب لا يجد الآخر ولا ينتفع به، فعلى هذه الجهة نفي الولاية، وعلى التأويلين ففي الآية حض للأعراب على الهجرة، قاله ، ومن رأى الولاية في الموارثة فهو حكم من الله ينفي الولاية في الموارثة، قالوا: ونسخ ذلك قوله تبارك وتعالى: الحسن بن أبي الحسن وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية.
وقرأ جمهور السبعة والناس: "ولايتهم" بفتح الواو، و"الولاية" أيضا بفتح الواو [ ص: 247 ] وقرأ : "ولايتهم" بفتح الواو، و"الولاية" بكسر الواو، وقرأ الكسائي ، الأعمش : "ولايتهم" و"الولاية" بكسر الواو، وهي قراءة وابن وثاب ، قال حمزة : والفتح أجود لأنها في الدين، قال أبو علي : "والكسر فيها لغة"، وليست بذلك، ولحن أبو الحسن الأخفش الأصمعي ، وأخطأ عليه لأنها إذا كانت لغة فلم يلحن. الأعمش
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لا سيما ولا يظن به إلا أنه رواها، قال : الولاية بالكسر هي من وليت الأمر إليه فهي في السلطان، والولاية هي في المولى، يقال: مولى بين الولاية بفتح الواو. أبو عبيدة
وقوله تعالى: وإن استنصروكم يعني: إن استدعى هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا نصركم على قوم من الكفرة فواجب عليكم نصرهم، إلا إن استنصروكم على قوم كفار قد عاهدتموهم أنتم وواثقتموهم على ترك الحرب فلا تنصروهم عليهم، لأن ذلك غدر ونقض للميثاق وترك لحفظ العهد والوفاء به، والقراءة: "فعليكم النصر" برفع الراء، ويجوز "فعليكم النصر" على الإغراء، ولا أحفظه قراءة.
وقرأ جمهور الناس: "والله بما تعملون" على مخاطبة المؤمنين، وقرأ ، أبو عبد الرحمن السلمي : "بما يعملون" بالياء على ذكر الغائب. والأعرج