قوله عز وجل:
إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين
المعنى في هذه الآية: إنما يعمر مساجد الله بالحق لهم والواجب، ولفظ هذه الآية الخبر وفي ضمنها أمر المؤمنين بعمارة المساجد، وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمر المساجد فحسنوا به الظن، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو سعيد الخدري وقد تقدم القول في قراءة "مساجد"، وقوله: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان" واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة يتضمن الإيمان بالرسول إذ لا يتلقى ذلك إلا منه، وقوله: ولم يخش إلا الله حذفت الألف من "يخشى" للجزم، قال : "واعلم أن الأخير إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع"، ويريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة، وهذه مرتبة العدل بين الناس، ولا محالة أن الإنسان يخشى غيره ويخشى المحاذير [ ص: 278 ] الدنيوية، وينبغي أن يخشى في ذلك كله قضاء الله وتصريفه، و "عسى" من الله واجبة حيثما وقعت في القرآن، ولم يرج الله بالاهتداء إلا من حصل في هذه المرتبة العظيمة من العدالة، ففي هذا حض بليغ على التقوى. سيبويه
وقرأ الجمهور: "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام " ، وقرأ ، ابن الزبير وأبو حمزة ، ومحمد بن علي، "أجعلتم سقاة الحاج وعمرة وأبو جعفر القاري: المسجد الحرام " ، وقرأها كذلك إلا أنه نصب "المسجد" على إرادة التنوين في "عمرة" . وقرأ ابن جبير ، الضحاك وأبو وجزة، "سقاية" بضم السين، "وعمرة"، فأما من قرأ "سقاية" و"عمارة" ففي الكلام عنده محذوف إما في أوله وإما في آخره، فإما أن يقدر: "أجعلتم أهل سقاية"، وإما أن يقدر: كفعل من آمن بالله. وأما من قرأ: "سقاة" و "عمرة" فنمط قراءته مستو، وأما قراءة وأبو جعفر القاري: فجمع ساق إلا أنه ضم أوله، كما قالوا: عرق وعراق وظئر وظؤار، وكان قياسه أن يقال: سقاء، وإن أنث كما أنث من الجموع "حجارة" وغيره. الضحاك
وسقاية الحاج كانت في بني هاشم، وكان يتولاها، قال العباس الحسن: ولما نزلت هذه الآية قال : ما أراني إلا أترك السقاية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقيموا عليها فإنها لكم خير". العباس
[ ص: 279 ] وعمارة المسجد، قيل: هي حفظه من الظلم فيه أو يقال هجرا، وكان ذلك إلى ، وقيل: هي السدانة خدمة البيت خاصة، وكانت في العباس بني عبد الدار، وكان يتولاها عثمان بن طلحة بن أبي طلحة -واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عبد الدار- وشيبة بن عثمان بن أبي طلحة المذكور، هذان هما اللذان دفع إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة في ثاني يوم الفتح بعد أن طلبه العباس رضي الله عنهما، وعلي لعثمان وشيبة : "يوم وفاء وبر، خذوها خالدة تالدة لا ينازعكموها إلا ظالم" . وقال صلى الله عليه وسلم
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
يعني السدانة، واختلف الناس في سبب نزول هذه الآية فقيل: إن كفار قريش قالوا لليهود: إنا نسقي الحجيج ونعمر البيت، أفنحن أفضل أم محمد صلى الله عليه وسلم ودينه؟ فقالت لهم أحبار اليهود: بل أنتم، فنزلت الآية في ذلك، وقيل: إن الكفار افتخروا بهذه الآية فنزلت الآية في ذلك، وأسند إلى الطبري أنه قال: النعمان بن بشير كنت عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فقال أحدهم: ما أتمنى بعد الإسلام إلا أن أكون ساقي الحجاج ، وقال الآخر: إلا أن أكون خادم البيت وعامره، وقال الثالث: إلا أن أكون مجاهدا في سبيل الله، فسمعهم فقال: اسكتوا حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأستفتيه، فدخل فاستفتاه، فنزلت الآية في ذلك، عمر بن الخطاب وقال ، ابن عباس : إن المسلمين عيروا أسرى والضحاك بدر بالكفر، فقال : بل نحن سقاة الحاج [ ص: 280 ] وعمرة البيت، فنزلت الآية في ذلك، وقال العباس : أمروا بالهجرة فقال مجاهد : أنا أسقي الحاج، وقال العباس : أنا حاجب عثمان بن طلحة للكعبة فلا نهاجر، فنزلت أجعلتم سقاية الحاج إلى قوله: حتى يأتي الله بأمره ، قال : وهذا كله قبل فتح مجاهد مكة ، وقال : إن محمد بن كعب ، العباس وعليا وعثمان بن طلحة تفاخروا، فقال : أنا ساقي الحاج، وقال العباس : أنا عامر البيت ولو شئت بت فيه، وقال عثمان أنا صاحب جهاد الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم والذي آمنت وهاجرت قديما، فنزلت الآية في ذلك. علي: