قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب
الضمير في قالوا ضمير الملائكة، ويروى أن لوطا لما غلبوه وهموا بكسر الباب وهو يمسكه قالت له الرسل: تنح عن الباب، فتنحى وانفتح الباب فضربهم جبريل عليه السلام بجناحه فطمس أعينهم وعموا، وانصرفوا على أعقابهم يقولون: النجاء النجاء، فعند لوط قوم سحرة، وتوعدوا لوطا، ففزع حينئذ من وعيدهم، فحينئذ قالوا له: إنا رسل ربك فأمن، ذكر هذا وفي تفسير غيره ما يقتضي أن قولهم: إنا رسل ربك كان قبل طمس العيون، ثم أمروه بالسرى وأعلموه أن العذاب نازل بالقوم، فقال لهم النقاش لوط: فعذبوهم الساعة، قالوا له: إن موعدهم الصبح أي بهذا أمر الله، ثم آنسوه في قلقه بقولهم:
أليس الصبح بقريب.
وقرأ نافع "فاسر" من سرى إذا سار في أثناء الليل، وقرأ الباقون "فأسر" إذا سار في أول الليل و "القطع" القطعة من الليل، ويحتمل أن لوطا أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوز البلد المقتلع، ووقعت نجاته بسحر فتجتمع هذه الآية مع قوله: إلا آل وابن كثير لوط نجيناهم بسحر وبيت جمع بين الفعلين في قوله: النابغة
أسرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشمال عليه جامد البرد
فذهب قوم إلى أن سرى وأسرى بمعنى واحد واحتجوا بهذا البيت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأقول إن البيت يحتمل المعنيين، وذلك أظهر عندي لأنه قصد وصف هذه الديمة، وأنها ابتدأت من أول الليل وقت طلوع الجوزاء في الشتاء.
وقرأ ابن كثير "إلا امرأتك" بالرفع على البدل من أحد وهذا هو الأوجه إذا استثني من منفي، كقولك: ما جاءني أحد إلا زيد، وهذا هو استثناء من الملتفتين، وقرأ الباقون "إلا أمرأتك" بالنصب، ورأت ذلك فرقة من النحاة الوجه في الاستثناء من منفي، إذ الكلام المنفي في هذا مستقل بنفسه كالموجب، فإذ هو مثله في الاستقلال، فحكمه كحكمه في نصب المستثنى وتأولت فرقة ممن قرأ: "إلا امرأتك" بالنصب أن الاستثناء وقع من الأهل كأنه قال: "فأسر بأهلك إلا امرأتك" . وعلى هذا التأويل لا يكون إلا النصب، وقال وأبو عمرو : لو كان الكلام: "ولا يلتفت" - بالرفع- لصح الرفع في قوله: "إلا امرأتك" ولكنه نهي، فإذا استثنيت "المرأة" من أحد وجب أن تكون "المرأة" أبيح لها الالتفات فيفسد معنى الآية. أبو عبيد القاسم بن سلام
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا الاعتراض حسن، يلزم الاستثناء من "أحد" رفعت التاء أو نصبت والانفصال عنه يترتب بكلام حكي عن ، وهو أن النهي إنما قصد به المبرد لوط وحده، و "الالتفات" منفي عنهم بالمعنى، أي لا تدع أحدا منهم يلتفت، وهذا كما تقول لرجل: لا يقم من هؤلاء أحد إلا زيد، وأولئك لم يسمعوك، فالمعنى: لا تدع أحدا من هؤلاء يقوم والقيام بالمعنى منفي عن المشار إليهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وجملة هذا أن لفظ الآية هو لفظ قولنا: لا يقم أحد إلا زيد، ونحن نحتاج أن يكون معناها معنى قولنا: لا يقم أحد إلا زيد وذلك اللفظ لا يرجع إلى هذا المعنى إلا بتقدير ما حكيناه عن ، فتدبره. ويظهر من مذهب المبرد أبي عبيد أن الاستثناء، إنما هو من الأهل. وفي مصحف : "فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك" وسقط قوله: ولا يلتفت منكم أحد ابن مسعود
. والظاهر في يلتفت أنها من التفات البصر، وقالت فرقة: هي من لفت الشيء يلفته إذا ثناه ولواه، فمعناه: ولا يتثبط. وهذا شاذ مع صحته وفي كتاب : أن المعنى: ولا يلتفت أحد إلى ما خلف، بل يخرج مسرعا مع الزهراوي لوط عليه السلام: وروي أن امرأة لوط لما سمعت الهدة ردت بصرها وقالت: واقوماه، فأصابها حجر فقتلها.
وقرأت فرقة: "الصبح" بضم الباء.