قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=20405_29706_30532_32211_34384_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون nindex.php?page=treesubj&link=30532_30539_30550_34306_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117متاع قليل ولهم عذاب أليم nindex.php?page=treesubj&link=19827_30364_31931_32421_32424_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون nindex.php?page=treesubj&link=19721_28723_29694_30526_34298_34513_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=119ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم
هذه مخاطبة للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كانت ميتة، يدل على ذلك قوله حكاية عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=139وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ، والآية تقتضي كل ما كان لهم من تحليل وتحريم، فإنه كله افتراء منهم، ومنه ما جعلوه في الشهور. وقرأ السبعة وجمهور الناس: "الكذب" بفتح الكاف والباء وكسر الذال، و "ما" مصدرية، فكأنه قال: لوصف ألسنتكم. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ،
nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة، وأبو معمر، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن : "الكذب" بخفض الباء على البدل من "ما". وقرأ بعض أهل
الشام، nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل، nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة : "الكذب" بضم الكاف والذال والباء، على صفة الألسنة. وقرأ
مسلمة بن محارب: "الكذب" بفتح الباء بفتح الباء على أنه جمع كذاب ككتب وكتاب.
[ ص: 424 ] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116هذا حلال إشارة إلى ميتة بطون الأنعام وكل ما أحلوا، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وهذا حرام إشارة إلى البحائر والسوائب وكل ما حرموا، وقوله: "لتفتروا على الله الكذب"، إشارة إلى قولهم في فواحشهم التي هي إحداها:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ،
ويحتمل أن يريد أنه كان شرعهم لاتباعهم سننا لا يرضاها الله افتراء عليه، لأن من شرع أمرا فكأنه قال لأتباعه: هذا هو الحق، وهذا مراد الله. ثم أخبرهم الله أن الذين يفترون على الله الكذب لا يبلغون الأمل، والفلاح: بلوغ الأمل، فطورا يكون في البقاء، كما قال الشاعر:
والمسي والصبح لا بقاء معه.
ويشبه أن هذه الآية من هذا المعنى، يقوي ذلك قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117متاع قليل ، وقد يكون في نجح المساعي، ومنه قول
عبيد: أفلح بما شئت فقد يبلغ بالضـ ... ـضعف وقد يخدع الأريب
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117متاع قليل إشارة إلى عيشهم في الدنيا،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117ولهم عذاب أليم بعد ذلك في الآخرة.
[ ص: 425 ] وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وعلى الذين هادوا الآية، لما قص تبارك وتعالى على المؤمنين ما حرم عليهم أعلم أيضا بما حرم على اليهود; ليبين تبديلهم الشرع فيما استحلوا من ذلك وفيما حرموا من تلقاء أنفسهم. وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118ما قصصنا عليك إشارة إلى ما في سورة الأنعام من ذي الظفر والشحوم. وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وما ظلمناهم أي: لم نضع العقوبة عليهم بتحريم تلك الأشياء عليهم في غير موضعها، بل هم طرقوا إلى ذلك، وجاء من تشبثهم بالمعاصي ما أوجب ذلك.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=119ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة الآية. هذه آية تأنيس لجميع العالم، أخبر الله تعالى فيها أنه يغفر للتائب، والآية إشارة إلى الكفار الذين افتروا على الله، وفعلوا الأفاعيل المذكورة، فهم إذا تابوا من كفرهم بالإيمان، وأصلحوا بأعمال الإسلام، -غفر الله لهم، وتناولت هذه -بعد ذلك- كل واقع تحت لفظها من كافر وعاص، وقالت فرقة: الجهالة: العمد، والجهالة عندي في هذا الموضع ليست ضد العلم، بل هي تعدي الطور وركوب الرأس، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=671652 "أو أجهل أو يجهل علي"، وهي التي في قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والجهالة التي هي ضد العلم تصحب هذه الأخرى كثيرا، ولكن يخرج منها المتعمد، وهو الأكثر، وقلما يوجد في العصاة من لم يتقدم له علم بحظر المعصية التي تواقع. والضمير في "بعدها" عائد على التوبة.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=20405_29706_30532_32211_34384_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30532_30539_30550_34306_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=treesubj&link=19827_30364_31931_32421_32424_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19721_28723_29694_30526_34298_34513_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=119ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
هَذِهِ مُخَاطَبَةٌ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ حَرَّمُوا الْبَحَائِرَ وَالسَّوَائِبَ وَأَحَلُّوا مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ حِكَايَةً عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=139وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ، وَالْآيَةُ تَقْتَضِي كُلَّ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ تَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ، فَإِنَّهُ كُلَّهُ افْتِرَاءٌ مِنْهُمْ، وَمِنْهُ مَا جَعَلُوهُ فِي الشُّهُورِ. وَقَرَأَ السَّبْعَةُ وَجُمْهُورُ النَّاسِ: "الْكَذِبَ" بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْبَاءِ وَكَسْرِ الذَّالِ، وَ "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِوَصْفِ أَلْسِنَتِكُمْ. وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16258وَطَلْحَةُ، وَأَبُو مَعْمَرٍ، nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنُ : "الْكَذِبِ" بِخَفْضِ الْبَاءِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ "مَا". وَقَرَأَ بَعْضُ أَهْلِ
الشَّامِ، nindex.php?page=showalam&ids=32وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، nindex.php?page=showalam&ids=12356وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : "الْكُذُبُ" بِضَمِّ الْكَافِ وَالذَّالِ وَالْبَاءِ، عَلَى صِفَةِ الْأَلْسِنَةِ. وَقَرَأَ
مُسْلِمَةُ بْنُ مُحَارِبٍ: "الْكُذُبَ" بِفَتْحِ الْبَاءِ بِفَتْحِ الْبَاءِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ كِذَابٍ كَكُتُبٍ وَكِتَابٍ.
[ ص: 424 ] وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116هَذَا حَلالٌ إِشَارَةٌ إِلَى مَيْتَةِ بُطُونِ الْأَنْعَامِ وَكُلِّ مَا أَحَلُّوا، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَهَذَا حَرَامٌ إِشَارَةٌ إِلَى الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَكُلِّ مَا حَرَّمُوا، وَقَوْلُهُ: "لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ"، إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِمْ فِي فَوَاحِشِهِمُ الَّتِي هِيَ إِحْدَاهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ كَانَ شَرْعُهُمْ لِاتِّبَاعِهِمْ سُنَنًا لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَيْهِ، لَأَنَّ مَنْ شَرَعَ أَمْرًا فَكَأَنَّهُ قَالَ لِأَتْبَاعِهِ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَهَذَا مُرَادُ اللَّهِ. ثُمَّ أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يَبْلُغُونَ الْأَمَلَ، وَالْفَلَاحُ: بُلُوغُ الْأَمَلِ، فَطَوْرَا يَكُونُ فِي الْبَقَاءِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لَا بَقَاءَ مَعَهْ.
وَيُشْبِهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، يُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117مَتَاعٌ قَلِيلٌ ، وَقَدْ يَكُونُ فِي نَجْحِ الْمَسَاعِي، وَمِنْهُ قَوْلُ
عُبَيْدٌ: أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ يُبْلَغُ بِالضَّـ ... ـضَعْفِ وَقَدْ يُخْدَعُ الْأَرِيبُ
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117مَتَاعٌ قَلِيلٌ إِشَارَةٌ إِلَى عَيْشِهِمْ فِي الدُّنْيَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=117وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ.
[ ص: 425 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا الْآيَةُ، لَمَّا قَصَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَعْلَمَ أَيْضًا بِمَا حَرَّمَ عَلَى الْيَهُودِ; لِيُبَيِّنَ تَبْدِيلَهُمُ الشَّرْعَ فِيمَا اسْتَحَلُّوا مِنْ ذَلِكَ وَفِيمَا حَرَّمُوا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ مِنْ ذِي الظُّفُرِ وَالشُّحُومِ. وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ أَيْ: لَمْ نَضَعِ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، بَلْ هُمْ طَرَقُوا إِلَى ذَلِكَ، وَجَاءَ مِنْ تَشَبُّثِهِمْ بِالْمَعَاصِي مَا أَوْجَبَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=119ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ الْآيَةُ. هَذِهِ آيَةُ تَأْنِيسٍ لِجَمِيعِ الْعَالِمِ، أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا أَنَّهُ يَغْفِرُ لِلتَّائِبِ، وَالْآيَةُ إِشَارَةٌ إِلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ، وَفَعَلُوا الْأَفَاعِيلَ الْمَذْكُورَةَ، فَهُمْ إِذَا تَابُوا مَنْ كُفْرِهِمْ بِالْإِيمَانِ، وَأَصْلَحُوا بِأَعْمَالِ الْإِسْلَامِ، -غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ، وَتَنَاوَلَتْ هَذِهِ -بَعْدَ ذَلِكَ- كُلَّ وَاقِعٍ تَحْتَ لَفْظِهَا مِنْ كَافِرٍ وَعَاصٍ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْجَهَالَةُ: الْعَمْدُ، وَالْجَهَالَةُ عِنْدِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَتْ ضِدَّ الْعِلْمِ، بَلْ هِيَ تَعَدِّي الطَّوْرَ وَرُكُوبُ الرَّأْسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=671652 "أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ"، وَهِيَ الَّتِي فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
وَالْجَهَالَةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْعِلْمِ تَصْحَبُ هَذِهِ الْأُخْرَى كَثِيرًا، وَلَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهَا الْمُتَعَمَّدُ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَقَلَّمَا يُوجَدُ فِي الْعُصَاةِ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ عِلْمٌ بِحَظْرِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي تُوَاقَعُ. وَالضَّمِيرُ فِي "بَعْدِهَا" عَائِدٌ عَلَى التَّوْبَةِ.