ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا
قرأ ، الأعمش : "ولا تقتلوا" بتضعيف الفعل. وابن وثاب
وهذه الآية الذي كانت نهي عن الوأد العرب تفعله، وهو قوله تعالى: وإذا الموءودة سئلت ، ويقال: كان جهلهم يبلغ إلى أن يغز واحد منهم كلبه ويقتل ولده، و"خشية" نصب على المفعول من أجله، و "الإملاق": الفقر وعدم المال، أملق الرجل: لم يبق له إلا الملقات، وهي الحجارة العظام الملس السود. وقرأ الجمهور: "خطئا" بكسر الخاء وسكون الطاء، وبالهمز والقصر، وقرأ : "خطأ" بفتح [ ص: 469 ] الخاء والطاء والهمزة مقصورة، وهي قراءة ابن عامر وهاتان قراءتان مأخوذتان من: خطئ إذا أتى الذنب على عمد، فهي: كحذر وحذر ومثل ومثل وشبه وشبه اسم ومصدر، ومنه قول الشاعر: أبي جعفر،
الخطء فاحشة والبر نافلة ... كعجوة غرست في الأرض تؤتبر
قال : خطئ الرجل يخطأ خطئا، مثل: أثم يأثم إثما، فهذا هو المصدر، وخطأ اسم منه، وقال بعض العلماء: خطئ معناه واقع الذنب مع التعمد، وأخطأ إذا واقعة من غير تعمد، ومنه قوله تعالى: الزجاج ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، وقال وقد يقع هذا موضع هذا وهذا موضع هذا، فأخطأ بمعنى تعمد في قول الشاعر: أبو علي الفارسي:
عبادك يخطئون وأنت رب ... كريم لا يليق بك الذموم
وخطئ بمعنى لم يتعمد في قول الآخر:
والناس يلحون الأمير إذا هم ... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
[ ص: 470 ] وقد روي عن رضي الله عنهما: "خطأ" بفتح الخاء وسكون الطاء وهمزه، وقرأ ابن عباس : "خطاء" بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمزة، وهي قراءة ابن كثير بخلاف- الأعرج وطلحة، وشبل ، ، والأعمش وعيسى، وخالد بن إلياس، ، وقتادة بخلاف-، قال والحسن النحاس : ولا أعرف لهذه القراءة وجها، وكذلك جعلها غلطا، قال أبو حاتم هي مصدر من خاطأ يخاطئ وإن كنا لم نجد خاطأ، ولكن وجدنا تخاطأ، وهو مطاوع خاطأ، فدلنا عليه، ومنه قول الشاعر: أبو علي الفارسي:
تخطأت النبل أحشاءه ... وأخر يومي فلم أعجل
وقول الآخر في صفة كمأة:
تخاطأه القناص حتى وجدته ... وخرطومه في منقع الماء راسب
فكأن هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحق والعدل. وقرأ -فيما روي عنه-: "خطاء" بفتح الخاء والطاء والمد في الهمزة. قال الحسن : لا يعرف هذا [ ص: 471 ] في اللغة، وهو غلط غير جائز، وليس كما قال أبو حاتم ، قال أبو حاتم أبو الفتح : الخطاء من "أخطأت" بمنزلة العطاء من "أعطيت"، هو اسم بمعنى المصدر. وقرأ بخلاف-: "خطأ" بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز. وقرأ الحسن أبو رجاء، "خطا" بكسر الخاء وفتح الطاء كالتي قبلها، وهاتان مخففتان من: خطأ وخطأ. والزهري:
وقوله تعالى: ولا تقربوا الزنا تحريم، والزني يمد ويقصر، فمن قصره الآية، وهي لغة جميع كتاب الله، ومن مده قول الفرزدق:
أبا حازم من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
ويروى: أبا خالد، و "الفاحشة": ما يستتر به من المعاصي لقبحه.
و"سبيلا" نصب على التمييز، التقدير: وساء سبيله سبيلا، أي لأنه يؤدي إلى النار.
وقوله تعالى: ولا تقتلوا وما تقدم قبله من الأفعال جزم بالنهي.
وذهب إلى أنها عطف على قوله: الطبري وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، والأول أصوب وأبرع للمعنى.
والألف واللام التي في "النفس" هي للجنس، و هو ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "الحق" الذي تقتل به النفس "لا يحل دم المسلم إلا إحدى ثلاث خصال: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس أخرى".
[ ص: 272 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتتصل بها أشياء هي راجعة إليها، فمنها قطع الطريق لأنه في معنى قتل النفس، وهي الحرابة، ومن ذلك الزندقة، ومسألة ترك الصلاة لأنها في معنى الكفر بعد الإيمان، ومنه قتل رضي الله عنه منعة الزكاة، وقتل من امتنع في المدن من فروض الكفاية. أبي بكر
وقوله تعالى: "مظلوما" نصب على الحال، ومعناه: بغير هذه الوجوه المذكورة.
و "الولي: القائم بالدم وهو من ولد الميت، أو ولده الميت، أو جمعه وإياه أب، ولا مدخل للنساء في ولاية الدم عند جماعة من العلماء، ولهن ذلك عند أخرين. و "السلطان": الحجة والملك الذي جعل إليه من قاله التخيير في قبول الدية أو العفو، ابن عباس وقال والضحاك. : "السلطان": القود. قتادة
وقرأ ، نافع ، وابن كثير وأبو عمرو، : "فلا يسرف" بالياء، وهي قراءة الجمهور، أي الولي، لا يتعدى أمر الله، والتعدي هو أن يقتل غير قاتل وليه من سائر القبيلة، أو يقتل اثنين بواحد، وغير وذلك من وجوه التعدي، وهذا كله كانت وعاصم العرب تفعله، فلذلك وقع التحذير منه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقالت فرقة: المراد بقوله تعالى: "إن من أعتى الناس على الله ثلاثة: رجل قتل غير قاتل وليه، أو قتل بدحن الجاهلية، أو قتل في حرم الله"، فلا يسرف القاتل الذي يتضمنه الكلام، والمعنى: فلا يكن أحد من المسرفين بأن يقتل نفسا، فإنه يحصل في سياق هذا الحكم. وقرأ ، ابن عامر ، وحمزة : "فلا تسرف" بالتاء من فوق، وهي قراءة والكسائي حذيفة، ويحيى بن وثاب، -بخلاف ومجاهد ، وجماعة. قال والأعمش : على معنى الخطاب للنبي عليه السلام ولأمته بعده، أي: فلا تقتلوا غير القاتل. الطبري
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويصح أن يراد به الولي، أي: فلا تسرف أيها الولي في قتل أحد متحصل في هذا [ ص: 473 ] الحكم. وقرأ أبو مسلم السراج صاحب الدعوة العباسية: "فلا يسرف" بضم الفاء، على معنى الخبر لا على معنى النهي. والمراد على هذا التأويل- الولي فقط.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي الاحتجاج بأبي مسلم في القراءة نظر. وفي قراءة "فلا تسرفوا في القتل إن ولي المقتول كان منصورا". والضمير في قوله تعالى: "إنه" عائد على الولي، وقيل: على المقتول، وهو عندي أرجح الأقوال; لأنه المظلوم، ولفظة النصر تقابل أبدا الظلم، كقوله عليه الصلاة والسلام: أبي بن كعب وكقوله صلى الله عليه وسلم: "ونصر المظلوم وإبرار القسم"، إلى كثير من الأمثلة. وقيل: على القتل، وقال "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، : على القاتل; لأنه إذا قتل في الدنيا وخلص بذلك من عذاب الآخرة فقد نصر. أبو عبيد
[ ص: 474 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف بعيد المقصد.
وقال : هذه أول ما نزل من القرآن بشأن القتل، وهي مكية. الضحاك