فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا
قرأ ، ابن كثير ، وأبو عمرو وعاصم، ، وابن عامر ، وابن عباس ، والحسن وزيد بن حبيش ، ، ومجاهد والجحدري ، وجماعة: "فناداها من تحتها" على أن "من" فاعل بـ "ينادي"، والمراد بـ "من" عيسى ، أي: ناداها المولود، قاله ، مجاهد والحسن، ، وابن جبير . وقال وأبي بن كعب رضي الله عنهما: المراد ابن عباس جبريل عليه السلام ، ولم يتكلم حتى أتت به قومها، وقال علقمة ، والضحاك : ففي هذا آية لها وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله فيها مراد عظيم، لا سيما والمنادي وقتادة عيسى ، فإنه يبين به عذر مريم ، ولا تبقى بها استرابة، فلذلك كان النداء ألا يقع حزن.
وقرأ ، نافع ، وحمزة ، والكسائي وحفص عن ، عاصم ، والبراء بن عازب ، والضحاك ، وأهل وعمرو بن ميمون المدينة ، وأهل الكوفة ، [ ص: 22 ] رضي الله عنهما - أيضا، وعبد الله بن عباس : "من تحتها" بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية، واختلفوا - فقال بعضهم: المراد والحسن عيسى عليه السلام ، وقالت فرقة: المراد جبريل المجاور لها قبل، قالوا: وكان في سعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت هي عليها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
والأول وأظهر، وعليه كان يقسم. الحسن بن أبي الحسن
وقرأ ، علقمة : "فخاطبها من تحتها"، وقرأ وزر بن حبيش رضي الله عنهما "فناداها ملك من تحتها". ابن عباس
وقوله، ألا تحزني تفسير النداء، فـ "أن" مفسرة بمعنى: أي، و "السري" من الرجال، العظيم الخصال السيد، و "السري" أيضا: الجدول من الماء، وبحسب هذا اختلف الناس في هذه الآية - فقال ، قتادة : أراد: جعل تحتك عظيما من الرجال له شأن، وقال الجمهور: أشار لها إلى الجدول الذي كان قرب جذع النخلة، وروي أن وابن زيد فسر الآية فقال: أجل، لقد جعله الله سريا كريما، فقال الحسن حميد بن عبد الرحمن الحميري : يا ، إنما نعني بالسري الجدول، فقال: لهذه وأشباهها أحب قربك، ولكن غلبتنا عليك الأمراء. أبا سعيد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
ومن الشاهد في السري قول لبيد :
فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
والظاهر من الآية أن عيسى هو المكلم لها، وأن الجذع كان يابسا، وعلى هذا تكون آيات تسليها وتسكن إليها، والباء في قوله: "بجذع" زائدة مؤكدة، قال : كما يقال: ألقى بيده، أي: ألقى يده. أبو علي
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وفي هذا المثال نظر، وأنشد رحمه الله: الطبري
بواد يمان ينبت السدر صدره وأسفله بالمزج والشبهان
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
واستدل بعض الناس من هذه الآية على أن آدم إلى سعي ما فيه; لأنه أمرت الرزق وإن كان محتوما فإن الله تعالى قد وكل ابن مريم بهز الجذع لترى آية، وكانت الآية تكون بألا تهز.
وحكى عن الطبري أنه قال لها ابن زيد عيسى : "لا تحزني"، فقالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج "فأقول من زوج، ولا مملوكة فأقول من سيدي، أي شيء عذري عند الناس؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، فقال لها عيسى : "أنا أكفيك الكلام" .
قوله تعالى: فكلي واشربي وقري عينا الآية. قرأ الجمهور: "وقري" بفتح القاف، وحكى قراءة "وقري" بكسر القاف، وقرة العين مأخوذة من القر، وذلك أنه يحكى أن دمع الفرح بارد ودمع الحزن سخن، وضعفت فرقة هذا وقالت: الدمع كله سخن، وإنما معنى قرة العين أن البكاء الذي يسخن العين ارتفع، أي: لا حزن من الأمر الذي قرت به العين، وقال الطبري الشيباني : "وقري عينا" معناه: نامي، حضها على الأكل والشرب والنوم، وقوله: "عينا" نصب على التمييز، والفعل في الحقيقة إنما هو للعين، فينقل ذلك إلى ذي العين، وينصب الذي كان فاعلا في الحقيقة على التفسير، ومثله: طبت نفسا، وتفقأت شحما، وتصببت عرقا، وهذا كثير.
[ ص: 25 ] وقرأ الجمهور : "ترين"، وأصله: "ترأيين" حذفت النون للجزم، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء، ثم قلبت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان، الألف [المنقلبة عن الياء]، والياء، فحذفت الألف فصار "ترى"، وعلى هذا النحو قول الأفوه:
إما ترى رأسي أزرى به البيت ..............
ومعنى هذه الآية أن الله تعالى أمرها - على لسان جبريل أو ابنها عليهما السلام، [ ص: 26 ] على الخلاف المتقدم - بأن تمسك عن مخاطبة البشر، وتحيل على ابنها في ذلك، ليرتفع عنها خجلها، وتبين الآية فيقوم عذرها، وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الكلمات التي في الآية، وهو قول الجمهور، وقالت فرقة: معنى "فقولي" بالإشارة لا بالكلام، وإلا فكأن التناقض بين في أمرها.
وقرأ ، ابن عباس : "إني نذرت للرحمن وصمت". وقال قوم: معناه: صوما عن الكلام; إذ أصل الصوم الإمساك، ومنه قول الشاعر: وأنس بن مالك
خيل صيام ....... ......................
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
ولا يجوز في شرعنا أن ينذر أحد صوما، ولقد أمر من فعل ذلك بالنطق والكلام، وقال فرقة: أمرت ابن مسعود مريم بهذا ليكفيها عيسى الاحتجاج.