قوله عز وجل:
واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا
هذا أمر من الله عز وجل بذكر موسى بن عمران صلوات الله عليه على جهة التشريف، وأعلمه بإنه كان مخلصا، وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : "مخلصا" بكسر اللام، وهي قراءة الجمهور، أي: أخلص نفسه لله تعالى، وقرأ وابن عامر ، حمزة ، والكسائي : "مخلصا" بفتح اللام، وهي قراءة وعاصم أبي رزين ، ، ويحيى ، أي: أخلصه الله تعالى للنبوة والقيادة، كما قال سبحانه: وقتادة إنا أخلصناهم بخالصة ، و الرسول من الأنبياء: الذي يكلف تبليغ أمته، وقد يكون نبيا غير رسول.
وقوله تعالى: وناديناه من جانب الطور الأيمن هو تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام ، و "الطور" : الجبل المشهور بالشام ، وقوله: "الأيمن" صفة للجانب، وكان على يمين موسى عند وقوفه، وإلا فالجبل نفسه لا يمنة له ولا يسرة، ولا يوصف بشيء من ذلك إلا بالإضافة إلى ذي يمين ويسار.
ويحتمل أن يكون "الأيمن" مأخوذا من اليمن، كأنه قال: الأبرك والأسعد، فيصح على هذا أن يكون صفة للجانب وللجبل بجملته. وقوله: وقربناه نجيا هو التقريب بالتشريف بالكلام والنبوة. وقال رضي الله عنهما: بل أدني عبد الله بن عباس موسى الملكوت، ورفعت له الحجب حتى سمع صريف الأقلام، وقاله ميسرة رحمه الله، وقال سعيد : أردفه جبريل عليه السلام ، و النجي، قيل: من المناجاة وهي المسارة بالقول، وقال : معناه: نجا بصدقة. قتادة
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا مختل، وإنما النجي المنفرد بالمناجاة، وكان هارون أسن من موسى عليهما [ ص: 42 ] السلام فطلب من الله أن يشد أزره بنبوته ومعونته فأجابه الله إلى ذلك، وعدها في نعمه عليه.
وقوله تعالى: واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد هو أيضا من لسان الصدق والشرف المضمون بقاؤه على آل إبراهيم عليه السلام . وإسماعيل عليه السلام هو أب العرب اليوم، وذلك أن اليمنية والمضرية ترجع إلى ولد إسماعيل عليه السلام ، وهو الذي أسكنه أبوه بواد غير ذي زرع، وهو الذبيح في قول الجمهور، وقالت فرقة: الذبيح إسحاق عليه السلام .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
والأول يترجح بجهات: منها قول الله وتعالى: ومن وراء إسحاق يعقوب ، فولد قد بشر أبواه أنه سيكون منه ولد هو حفيد لهم كيف يؤمر بعد ذلك بذبحه وهذه العدة قد تقدمت؟ وجهة أخرى هي أن أمر الذبح لا خلاف بين العلماء أنه كان بمنى عند مكة ، وما روي قط أن إسحاق دخل تلك البلاد، وإسماعيل بها نشأ، وكان أبوه يزور مرارا كثيرة يأتي من الشام على البراق ويرجع من يومه، والبراق هو مركب الأنبياء عليهم السلام، وجهة أخرى وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ، وهما أبوه أنا ابن الذبيحين عبد الله بن عبد المطلب ، لأنه فدي بالإبل من الذبح، والذبيح الثاني هو أبوه إسماعيل عليه السلام ، وجهة أخرى وهي الآيات في سورة (الصافات)، وذلك أنه لما فرغ من ذكر الذبح وحاله قال: وبشرناه بإسحاق ، فترتيب تلك الآيات يكاد ينص على أن الذبيح غير إسحاق عليه السلام .
[ ص: 43 ] ووصف الله تعالى إسماعيل بصدق الدعوة لأنه كان مبالغا في ذلك، روي أنه وعد رجلا أن يلقاه في موضع، فجاء إسماعيل عليه السلام وانتظر الرجل يومه وليلته، فلما كان في اليوم الآخر جاء الرجل، فقال له: ما زلت هنا في انتظارك هنا منذ أمس، وفي كتاب أنه انتظره سنة. ابن سلام
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا بعيد غير صحيح، والأول أصح، وقد فعل مثله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثه، ذكره ، وخرجه النقاش ، وغيره، وذلك في مبايعة وتجارة، وقيل: وصفه بصدق الدعوة لوفائه بنفسه في أمر الذبح; إذ قال: الترمذي ستجدني إن شاء الله من الصابرين . قال رحمه الله: أسوأ الكذب إخلاف الوعد ورمي الأبرياء بالتهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سفيان بن عيينة ، فناهيك بفضيلة الصدق في هذا. العدة دين
قوله تعالى: وكان يأمر أهله ، يريد بهم قومه وأمته، قاله ، وفي مصحف الحسن رضي الله عنه: "وكان يأمر قومه"، وقوله: "مرضيا" أصله: مرضوي، لقيت الواو وهي ساكنة الياء فأبدلت ياء وأدغمت، ثم كسرت الضاد للتناسب في الحركات، وقرأ عبد الله بن مسعود : "وكان عند ربه مرضوا". ابن أبي عبلة
[ ص: 44 ]