وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا
الضمير في "قالوا" للكفار من العرب في قولهم: للملائكة بنات الله، وللنصارى ، ولكل من كفر بهذا النوع من الكفر، وقوله: لقد جئتم - بعد الكناية عنهم - بمعنى: قل لهم يا محمد ، و "الإد": الأمر الشنيع الصعب، وهي الدواهي والشنع العظيمة، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه المقالة أول ما قيلت في العالم شاك الشجر واستعرت [ ص: 72 ] جهنم وغضبت الملائكة . وقرأ الجمهور : "إدا" بكسر الهمزة، وقرأ : "أدا" بفتح الهمزة، ويقال: إد، وأد، وآد، وقرأ أبو عبد الرحمن هنا، وفي "عسق": "تكاد" بالتاء "يتفطرن" بياء وتاء وفتح الطاء وشدها، ورواها ابن كثير حفص عن ، وقرأ عاصم ، أبو عمرو - في رواية وعاصم : "تكاد" بالتاء "ينفطرن" بياء ونون وكسر الطاء، وقرأ أبي بكر ، نافع : "يكاد" بالياء وإزالة علامة التأنيث "يتفطرن" بالياء والتاء وشد الطاء وفتحها في الموضعين، وقرأ والكسائي ، حمزة في وابن عامر مريم مثل ، وفي "عسق" مثل أبي عمرو ، وقال ابن كثير أبو الحسن ، : "يكاد" بمعنى: يريد، وكذلك قوله تعالى: والأخفش أكاد أخفيها وأنشد على أن "كاد" بمعنى "أراد" قول الشاعر:
كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من زمن الصبابة ما مضى
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :ولا حجة في هذا البيت، وهذا قول قلق.
وقال الجمهور: إنما هي استعارة لشنعة الأمر، أي: هذا حقه لو فهمت الجمادات قدره، وهذا المعنى مهيع للعرب ، فمنه قول جرير :
[ ص: 73 ]
لما أتى خبر تواضعت سور الزبير المدينة والجبال الخشع
ألم تر صدعا في السماء مبينا على ابن لبني الحارث بن هشام؟
وأصبح بطن مكة مقشعرا كأن الأرض ليس بها هشام
وقوله تعالى: وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا نفي على جهة التنزيه له عن ذلك، وقد تقدم ذكر هذا المعنى وأقسام هذا اللفظ في هذه السورة.
وقوله: إن كل من في السماوات والأرض الآية. "إن" نافية بمعنى "ما"، وقرأ الجمهور : "آتي الرحمن" بالإضافة، وقرأ : "آت الرحمن" بتنوين "آت" والنصب [ ص: 74 ] في النون، وقرأ طلحة رضي الله عنه: "لما آتي الرحمن"، واستدل بعض الناس بهذه الآية على أن الولد لا يكون عبدا. ابن مسعود
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا انتزاع بعيد، و "عبدا" حال.
ثم أخبر تعالى عن إحاطته ومعرفته بعبيده، فذكر "الإحصاء"، ثم كرر المعنى بغير اللفظ، وقرأ رضي الله عنه: "لقد كتبهم وعدهم"، وفي مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لقد أحصاهم فأجملهم عددا". وقوله: "عدا" تأكيد للفعل وتحقيق له. وقوله: "فردا" يتضمن معنى قلة النصر والحول والقوة، لا مجير له مما يريد الله به. أبي
وقوله تعالى: سيجعل لهم الرحمن ودا . ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذا هو حسب ما في الحديث المأثور، وقال القبول الذي يضعه الله لمن يحبه من عباده رضي الله عنه: إنها بمنزلة قول النبي صلى الله عليه وسلم: عثمان بن عفان ، وفي حديث من أسر سريرة ألبسه الله رداءها رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبي هريرة . ما من عبد إلا وله في السماء صيت، فإن كان حسنا وضع في الأرض حسنا، وإن سيئا وضع كذلك
وقال رضي الله عنه: إن الآية نزلت فيه، وذلك أنه لما هاجر من عبد الرحمن بن عوف مكة استوحش بالمدينة ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية في ذلك ، أي: ستستقر نفوس المؤمنين ويودون حالهم ومنزلتهم، وذكر أنها نزلت في النقاش علي بن [ ص: 75 ] أبي طالب رضي الله عنه، قال : لا يوجد مؤمن إلا وهو يحب ابن الحنفية وأهل بيته رضي الله عنهم. علي بن أبي طالب
وقرأ الجمهور : "ودا" بضم الواو، وقرأ أبو الحارث الحنفي بفتح الواو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وتحتمل الآية أن تكون متصلة بما قبلها في المعنى، أي إن الله تبارك وتعالى لما أخبر عن إتيان كل من في السماوات والأرض في حالة العبودية والانفراد، آنس المؤمنين بأنه سيجعل لهم في ذلك اليوم ودا وهو ما يظهر عليهم من كرامته; لأن محبة الله للعبد هي ما يظهر عليه من نعمه وأمارات غفرانه له.