قوله عز وجل:
لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين
يحتمل قوله تعالى: لا تركضوا إلى آخر الآية أن يكون من قول رجال بخت نصر على الرواية المتقدمة، فالمعنى على هذا أنهم خدعوهم واستهزءوا بهم بأن قالوا للهاربين منهم: لا تفروا وارجعوا إلى مواضعكم لعلكم تسألون صلحا أو جزية أو أمرا يتفق عليه، فلما انصرفوا أمر بخت نصر أن ينادى فيهم: يا ثارات النبي المقتول، فقتلوا بالسيف عن آخرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
هذا كله مروي. ويحتمل أن يكون "لا تركضوا" إلى آخر الآية من كلام ملائكة العذاب على التأويل الآخر، أن الآيات وصف قصة كل قرية، وأنه لم يرد تعيين حضوراء ولا غيرها، فالمعنى على هذا أن أهل هذه القرى كانوا باغترارهم يرون أنهم من الله بمكان، وأنه لو جاءهم عذاب أو أمر لم ينزل بهم حتى يخاصموا أو يسألوا عن وجه تكذيبهم لنبيهم، فيحتجون هم عند ذلك بحجج تنفعهم في ظنهم، فلما نزل العذاب دون هذا الذي أملوه وركضوا فارين نادتهم الملائكة - على وجه الهزء بهم -: لا تركضوا وارجعوا لعلكم تسألون كما كنتم تطمعون بسفه رأيكم، ثم يكون قوله: "حصيدا" أي بالعذاب تركضون كالحصيد، و "الإتراف": التنعيم، و "دعواهم" معناه: [ ص: 157 ] دعاؤهم وكلامهم، أي: لم ينطقوا بغير التأسف، و "الحصيد" يشبه بحصيد الزرع بالمنجل، الذي ردهم الهلاك كذلك، و "خامدين" أي موتى دون أرواح، مشبهين بالنار إذا طفيت.
ولما فرغ وصف هذا الحال وعظ الله تعالى السامعين بقوله: وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ، أي: كما ظن هؤلاء الذين نزل بهم ما نزل، وكما تظنون أيها الكفرة الآن، ففي الآية وعيد بهذا الوجه، والمعنى: إنما خلقنا هذا كله ليعتبر به وينظر فيه ويؤمن بالله بحسبه.
قال بعض الناس: "تسئلون" معناه: تفهمون وتفقهون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهذا تفسير لا يعطيه اللفظ، وقالت فرقة: "تسئلون" معناه: شيئا من أموالكم وعرض دنياكم، على وجه الهزء.