ولما كان ما مضى مترتبا على العلم والقدرة ولا سيما ختم هذه الآية بهاد، وكان إنكارهم البعث إنكارا للنشأة الأولى، وكان سبحانه وتعالى يعلم أن إجابتهم إلى ما اقترحوا غير نافع لهم، لأنهم متعنتون لا مسترشدون، شرع سبحانه - بعد الإعراض عن إجابة مقترحاتهم - يقرر من أفعاله المحسوسة لهم المقتضية لاتصافه من العلم والقدرة بما هو كالإعادة سواء إشارة منه تعالى إلى [أن] إنكار البعث [إن] كان لاستحالة الإعادة فهي مثل البداءة، وإن كان لاستحالة تمييز التراب الذي كان منه الحيوان - بعد اختلاطه بغيره وتفرق أجزائه - فتمييز الماء الذي يكون منه الولد من الماء الذي لا يصلح لذلك أعجب، لأن الماء أشد اختلاطا وأخفى امتزاجا، ومع ذلك فهو يعلمه فقال: الله أي المحيط بكل شيء [علما] وقدرة يعلم أي علما قديما في الأزل بما سيوجد وعلما يتجدد تعلقه بحسب حدوث الحادثات [ ص: 288 ] على الاستمرار ما تحمل أي الذي تحمله في رحمها كل أنثى أي الماء الذي يصلح لأن يكون حملا وما تغيض أي تنقص الأرحام من الماء فتنشفه فيضمحل لعدم صلاحيته لأن يكون منه ولد، وأصل الغيض - كما قال : ذهاب المائع في العمق الغامض، وفعله متعد لازم الرماني وما تزداد أي الأرحام من الماء على الماء الذي قدر تعالى كونه حملا فيكون توأما فأكثر في جماع آخر بعد حمل الأول كما صرح بإمكان ذلك ابن سينا وغيره من الأطباء، وولدت في زماننا أتان حمارا وبغلا، [وذلك لأن] الزيادة ضم شيء إلى المقدار وكثرته شيئا بعد شيء فيقدر ذلك، ولا يمكن أحدا زيادته ولا نقصانه، وذلك كله يستلزم الحكمة فلذا ختمه بقوله: وكل شيء أي من هذا وغيره من الآيات المقترحات وغيرها عنده أي في قدرته وعلمه بمقدار في كيفيته وكميته لا يتجاوزه ولا تقصر عنه، لأنه عالم بكيفية كل شيء وكميته على الوجه المفصل المبين، فامتنع وقوع اللبس في تلك المعلومات وهو [قادر] على ما يريد منها، فالآية بيان لقوله تعالى: الذين كفروا بربهم من حيث بين [فيها] تربيته لهم على الوجه الذي هم له مشاهدون وبه معترفون.