[ ص: 65 ] بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الحمد لله الذي أنزل كتابه المجيد على أحسن أسلوب، وبهر بحسن أساليبه وبلاغة تركيبه القلوب، نزله آيات بينات، وفصله سورا وآيات، ورتبه بحكمته البالغة أحسن ترتيب، ونظمه أعظم نظام بأفصح لفظ وأبلغ تركيب، صلى الله على من أنزل إليه لينذر به وذكرى، ونزله على قلبه الشريف، فنفى عنه الحرج، وشرح له صدرا، وعلى آله وصحبه مهاجرة ونصرا.. وبعد:
فإن الله سبحانه من علي بالنظر في مواقع نجومه، وفتح لي أبواب التطرق إلى استخراج ما أودع فيه من علومه، فلا أزال أسرح النظر في بساتينه من نوع إلى نوع، وأستنسخ الخاطر في ميادينه فيبلغ الغرض ويرجع وهو يقول: لا روع، فتقت عن أنواع علومه ولقبتها، وأودعت ما أوعيت منها في دواوين وأعيتها، ونقبت عن معادن معانيه وأبرزتها، وأوقدت عليها نار القريحة وميزتها، وألفت في ذلك جامعا ومفردا، ومطنبا ومقصدا، ومن خلق لشيء فإلى تبسره ، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره.
وإن مما ألفت في تعلقات القرآن كتاب "أسرار التنزيل"4 الباحث عن أساليبه، المبرز أعاجيبه، المبين لفصاحة ألفاظه وبلاغة تراكيبه، الكاشف [ ص: 66 ] عن وجه إعجازه، الداخل إلى حقيقته من مجازه، المطلع على أفانينه، المبدع في تقرير حججه وبراهينه، فإنه اشتمل على بضعة عشر نوعا:
الأول: بيان مناسبات ترتيب سوره، وحكمة وضع كل سورة منها.
الثاني: بيان أن كل سورة شارحة لما أجمل في السورة التي قبلها.
الثالث: وجه اعتلاق فاتحة الكتاب بخاتمة التي قبلها.
الرابع: مناسبة مطلع السورة للمقصد الذي سيقت له، وذلك براعة الاستهلال.
الخامس: مناسبة أوائل السور لأواخرها.
السادس: مناسبات ترتيب آياته، واعتلاق بعضها ببعض، وارتباطها وتلاحمها وتناسقها.
السابع: بيان أساليبه في البلاغة، وتنويع خطاباته وسياقاته.
الثامن: بيان ما اشتمل عليه من المحسنات البديعية على كثرتها، كالاستعارة، والكناية، والتعريض، والالتفات، والتورية، والاستخدام واللف والنشر، والطباق، والمقابلة، وغير ذلك، والمجاز بأنواعه، وأنواع الإيجاز والإطناب.
التاسع: بيان فواصل الآي، ومناسبتها للآي التي ختمت بها.
العاشر: مناسبة أسماء السور لها.
[الحادي عشر: الألفاظ التي ظاهرها الترادف وبينهما فرق دقيق] 1.
الثاني عشر: بيان وجه اختيار مرادفاته ولم عبر به دون سائر المرادفات.
الثالث عشر: بيان القراءات المختلفة، مشهورها، وشاذها، وما تضمنته من المعاني والعلوم، فإن ذلك من جملة وجوه إعجازه.
الرابع عشر: بيان وجه تفاوت الآيات المتشابهات في القصص وغيرها; بالزيادة والنقص، والتقديم والتأخير، وإبدال لفظة مكان أخرى، ونحو ذلك.
[ ص: 67 ] وقد أردت أن أفرد جزءا لطيفا في نوع خاص من هذه الأنواع; هو ليكون عجالة لمريده، وبغية لمستفيده، وأكثره من نتاج فكري، وولاد نظري; لقلة من تكلم في ذلك، أو خاض في هذه المسالك، وما كان فيه لغيري صرحت بعزوه إليه، ولا أذكر منه إلا ما استحسن، ولا انتقاد عليه، وقد كنت أولا سميته نتائج الفكر في تناسب السور" لكونه من مستنتجات فكري كما أشرت إليه، ثم عدلت وسميته "تناسق الدرر في تناسب السور"; لأنه أنسب بالمسمى، وأزيد بالجناس. مناسبات ترتيب السور;
وبالله تعالى التوفيق، وإياه أسأل حلاوة التحقيق، بمنه ويمنه.