الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا كفل العبد عن مولاه بأمره فعتق فأداه أو كان المولى كفل عنه فأداه بعد العتق لم يرجع واحد منهما على صاحبه ) وقال زفر : يرجع ، ومعنى الوجه الأول أن لا يكون على العبد دين حتى تصح كفالته بالمال عن المولى إذا كان بأمره ، أما كفالته عن العبد فتصح على كل حال . له أنه تحقق الموجب للرجوع وهو الكفالة بأمره والمانع وهو الرق قد زال . ولنا أنها وقعت غير موجبة للرجوع لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا وكذا العبد على مولاه ، [ ص: 236 ] فلا تنقلب موجبة أبدا كمن كفل عن غيره بغير أمره فأجازه .

التالي السابق


. ( قوله وإذا كفل العبد عن مولاه بأمره فعتق فأدى أو كان المولى كفل عن عبده وأدى بعد عتق عبده لم يرجع واحد منهما على الآخر ) بشيء ( و ) نقل ( عن زفر رحمه الله ) في شرح الجامع ( أنه يرجع ) قال المصنف ( ومعنى الوجه الأول ) يعني ضمان العبد عن سيده ( أن لا يكون على العبد دين حتى تصح كفالته عن سيده ) وهذا لأن الأصل أن كفالة العبد لا تصح مطلقا لأن الكفالة إنما تصح ممن يصح منه التبرع على ما قدمناه أول الباب فلذا لا تصح من الصبي غير المأذون ، غير أن أمر السيد له بها فك للحجر عنه فيه فتصح حتى تباع رقبته في دين الكفالة إذا كفل لغير السيد بإذن السيد ، فإذا كان على العبد دين لا يملك السيد ماليته لتعلق حق الغرماء بها فلا يعمل أمره إياه بالكفالة ، بخلاف ما إذا لم يكن عليه دين فإن لمولاه الحق في ماليته فيعمل إذنه له في أن يكفل عنه . وفي بعض نسخ الهداية : ومعنى المسألة أن يكون عليه دين وليست صحيحة لما بينا .

أما كفالة السيد عن العبد فصحيحة على كل حال سواء كان على العبد دين أو لا . فإن قيل : دين العبد الذي يظهر في حق المولى يقضى من ماليته وهي ملك المولى فأي فائدة في هذه الكفالة ؟ أجيب بأن الفائدة شغل ذمة المولى بالمطالبة مع الدين أولا معه ليقضى من جميع أمواله ، بخلاف ما إذا لم يكفل فإنه لا يلزمه عينا إلا أن يسلمه ليباع ، وقد لا يفي ثمنه بالدين فلا يصل للغرماء إلى تمام الدين وبالكفالة يصلون ( لزفر رحمه الله أنه تحقق الموجب للرجوع وهو الكفالة بأمره والمانع وهو كونه عبده ) ولا يستوجب واحد من السيد والعبد دينا على الآخر ( قد زال ) بالعتق فإن الأداء منهما بعده فيجب الرجوع ( ولنا أنها وقعت ) من كل منهما ( غير موجبة للرجوع ) بما قلنا إن واحدا منهما لا يستوجب دينا على الآخر [ ص: 236 ] فلا تنقلب موجبة أبدا كمن كفل عن غيره بغير أمره ) فبلغه ( فأجاز فأدى الكفيل لا يرجع ) لأن معنى الأمر وإن تحقق في حالة البقاء لم يوجب حكم الابتداء وهو الرجوع لأن الأصل أن ما يقع لازما لا يكون لبقائه حكم الابتداء .

وهذه الكفالة حين وقعت وقعت غير موجبة للرجوع لما قلنا من أن كل واحد من السيد والعبد لا يستوجب على الآخر دينا إلا أن يكون العبد مديونا فحينئذ يثبت له الدين على السيد ، وإذا وقعت غير موجبة فلو انقلبت موجبة كان في حال البقاء وليس لبقائها حكم الابتداء لأنها تقع لازمة ، وقد طولب بالفرق بين هذه وبين الراهن إذا أعتق العبد الرهن وهو معسر فإن العبد يسعى في ذلك الدين ثم يرجع به على سيده فلم لا يرجع هنا ؟ أجيب بأن استيجاب الدين على مولاه وقع بعد العتق فلم يكن فيه تناف وقت استيجاب الدين لحريتهما إذ ذاك فجاز أن يرجع على المولى ، أما هنا فزمان استيجاب الدين وهو زمان الكفالة كان عبدا فيه .




الخدمات العلمية