الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال ( nindex.php?page=treesubj&link=16031_16030_16135الشهادة إذا وافقت الدعوى قبلت ، [ ص: 433 ] وإن خالفتها لم تقبل ) لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة ، وقد وجدت فيما يوافقها وانعدمت فيما يخالفها .
الاختلاف في الشهادة خلاف الأصل ، بل الأصل الاتفاق لأن الأصل فيما يتفرع عن جهة واحدة ذلك ، والشهادة كذلك لأنها تتفرع إما عن رؤية كما في الغصب والقتل أو سماع إقرار وغيره ، والشاهدان مستويان في إدراك ذلك فيستويان فيما يؤديان فلهذا أخره عما لم يذكر فيه خلاف ( قوله الشهادة إذا وافقت الدعوى قبلت . [ ص: 433 ] وإن خالفتها لم تقبل ) لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة لأنها لإثبات في حقه فلا بد من طلبه وهو الدعوى ( وقد وجدت ) الدعوى ( فيما يوافقها ) أي يوافق الشهادة فوجد شرط قبولها فتقبل ( وانعدمت فيما يخالفها ) فإنها لما لم توافقها صارت الدعوى بشيء آخر وشرط قبول الدعوى بما به الشهادة .
واعلم أنه ليس المراد من الموافقة المطابقة ، بل إما المطابقة أو كون المشهود به أقل من المدعى به ، بخلاف ما إذا كان أكثر ، فمن الأقل ما لو nindex.php?page=treesubj&link=16031ادعى نكاح امرأة بسبب أنه تزوجها بمهر كذا فشهدوا أنها منكوحته بلا زيادة تقبل ، ويقضي بمهر المثل إن كان قدر ما سماه أو أقل ، فإن زاد عليه لا يقضي بالزيادة ، كذا في غير نسخة من الخلاصة .
والظاهر أنه إنما يستقيم إذا كانت هي المدعية ، ومنه إذا nindex.php?page=treesubj&link=16031_16138ادعى ملكا مطلقا أو بالنتاج فشهدوا في الأول بالملك بسبب وفي الثاني بالملك المطلق قبلتا ، لأن الملك بسبب أقل من المطلق لأنه يفيد الأولية ، بخلاف بسبب يفيد الحدوث ، والمطلق أقل من النتاج لأن الملك المطلق يفيد الأولية على الاحتمال والنتاج على اليقين ، وفي قلبه وهو دعوى المطلق فشهدوا بالنتاج لا تقبل .
ومن الأكثر ما لو nindex.php?page=treesubj&link=16138_16135ادعى الملك بسبب فشهدوا بالمطلق لا تقبل إلا إذا كان ذلك السبب الإرث ، [ ص: 434 ] لأن دعوى الإرث كدعوى المطلق هذا هو المشهور . وقيده في الأقضية بما إذا نسبه إلى معروف سماه ونسيه .
أما لو nindex.php?page=treesubj&link=16031_16138جهله فقال اشتريته أو قال من رجل أو زيد وهو غير معروف فشهدوا بالمطلق قبلت فهي خلافية . وذكر الخلاف في القبول رشيد الدين ، وعن هذا اختلفوا فيما إذا nindex.php?page=treesubj&link=16138_16135تحمل الشهادة على ملك بسبب ، وأراد أن يشهد بالمطلق لم يذكر في شيء من الكتب . واختلف المشايخ فيه والأصح لا يحل له . قلت : كيف وفيه إبطال حقه فإنها لا تقبل فيما لو ادعاها بسبب . ولو ادعى الشراء مع القبض فقال وقبضته منه هل هو كالمطلق حتى لو شهدوا بالمطلق قبلت . الخلاصة تقبل . وحكي في فصول العمادي خلافا ، قيل تقبل لأن دعوى الشراء مع القبض دعوى مطلق الملك حتى لا يشترط لصحة هذه الدعوى تعيين العبد ، وقيل لا لأن دعوى الشراء معتبرة في نفسها لا كالمطلق ; ألا يرى أنه لا يقضي له بالزوائد في ذلك . وفي زوائد شمس الإسلام : دعوى الدين كدعوى العين ، وكذا في شرح الحيل للحلواني ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=16138ادعى الدين بسبب القرض وشبهه فشهدوا بالدين مطلقا ، قال شمس الأئمة محمود الأوزجندي : لا تقبل . قال في المحيط في الأقضية : مسألتان يدلان على القبول انتهى . وعندي الوجه القبول لأن أولية الدين لا معنى له ، بخلاف العين . وفي فتاوى رشيد الدين : لو nindex.php?page=treesubj&link=16138_16135ادعى الملك المطلق فشهدوا عليه بسبب ثم شهدوا على المطلق لا تقبل لأنهم لما شهدوا بسبب حمل دعوى المطلق عليه فلا تقبل بعده على المطلق . ولو nindex.php?page=treesubj&link=16031_16135شهدوا أولا على المطلق ثم شهدوا على الملك بسبب تقبل لأنه ببعض ما شهدوا به أولا . ولو nindex.php?page=treesubj&link=16135_16138_16140ادعى المطلق فشهد أحدهما به والآخر مع السبب تقبل ويقضي بالملك الحادث كما لو شهدا جميعا به ، وكل ما كان بسبب عقد شراء أو هبة فهو ملك حادث . ولو nindex.php?page=treesubj&link=16031_16140_16138ادعى بسبب فشهد أحدهما به والآخر مطلقا لا تقبل كما لو شهدوا جميعا بالمطلق ودعوى الملك بسبب الإرث كدعوى الملك المطلق . وإذا nindex.php?page=treesubj&link=16138_16135_16140أرخ أحد الشاهدين دون الآخر تقبل في دعوى غير المؤرخ لا في دعوى الملك المؤرخ . ولو ادعى الشراء بسبب أرخه فشهدوا له به بلا تاريخ تقبل لأنه أقل وعلى القلب لا تقبل ، ولو كان الشراء شهران فأرخوا شهرا تقبل . وعلى القلب لا ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=16138_16135أرخ المطلق بأن قال هذا العين لي منذ سنة فشهدا أنه له منذ سنتين لا تقبل وعلى القلب تقبل .
ومن الزيادة والنقص ما تضمنه هذه الفروع التي نذكرها nindex.php?page=treesubj&link=16137دار في يد رجلين اقتسماها وغاب أحدهما فادعى رجل على الحاضر أن له نصف هذه الدار مشاعا فشهدوا أن له النصف الذي في يد الحاضر فهي باطلة لأنها أكثر من المدعى به .
nindex.php?page=treesubj&link=16137ادعى دارا واستثنى طريق الدخول وحقوقها ومرافقها فشهدوا أنها له ولم يستثنوا شيئا لا تقبل ، وكذا لو استثنى بيتا ولم يستثنوه إلا إذا وفق فقال كنت بعت ذلك البيت منها فتقبل .
وفي المحيط نقلا من الأقضية وأدب القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14224للخصاف : إذا nindex.php?page=treesubj&link=16031ادعى الملك للحال : أي في العين فشهدوا أن هذا العين كان قد ملكه تقبل لأنها أثبتت الملك في الماضي فيحكم بها في الحال ما لم يعلم المزيل . قال رشيد الدين بعدما ذكرها : لا يجوز للقاضي أن يقول " امرو زملك وي مي دانيت " انتهى ، معنى هذا لا يحل للقاضي أن يقول أتعلمون أنه ملكه اليوم . نعم ينبغي للقاضي أن يقول هل تعلمون أنه خرج من ملكه فقط ، ذكره في المحيط . قال العمادي فعلى هذا إذا nindex.php?page=treesubj&link=16031ادعى الدين فشهدا أنه كان عليه دين كذا ينبغي أن تقبل كما في العين . ومثله إذا nindex.php?page=treesubj&link=16031ادعى أنها زوجته فشهدوا أنه كان [ ص: 435 ] تزوجها ولم يتعرضوا للحال تقبل ، هذا كله إذا شهدوا بالملك في الماضي .
أما لو شهدوا باليد له في الماضي لا يقضى به في ظاهر الرواية وإن كانت اليد تسوغ الشهادة بالملك على ما أسلفناه .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف يقضي بها ، وخرج العمادي على هذا ما في الواقعات : لو nindex.php?page=treesubj&link=16031_16068أقر بدين رجل عند رجلين ثم شهد عدلان عند الشاهدين أنه قضى دينه أن شاهدي الإقرار يشهدان كان عليه دين ولا يشهدان أن له عليه ، فقال هذا أيضا دليل على أنه إذا ادعى الدين وشهدوا أنه كان عليه تقبل ، وهذا غلط فإنه إنما تعرض لما يسوغ له أن يشهد به لا للقبول وعدمه ، بل ربما يؤخذ من منعه إحدى العبارتين دون الأخرى ثبوت القبول في إحداهما دون الأخرى ، كيف وقد ثبت بشهادة العدلين عند الشاهدين أنه قضاه فلا يشهدان حتى يخبر القاضي بذلك ، وأن القاضي حينئذ لا يقضي بشيء ، وسيأتي من مسائل الكتاب إذا علم شاهد الألف أنه قضاه خمسمائة لا يشهد حتى يقر بقبضها ، والله سبحانه أعلم .
وعكس ما نحن فيه لو nindex.php?page=treesubj&link=16135ادعى في الماضي أن هذه الجارية كانت ملكي فشهد أنها له اختلف في قبولها ، والأصح أنها لا تقبل ، وكذا لو ادعى أنه كان له وشهد أنه كان له لا تقبل ، وإنما تقبل إذا شهدوا على طبق دعواه هذه أنها كانت له لأن إسناد المدعي دليل على نفي ملكه في الحال ، إذ لا فائدة له في الاقتصار على الماضي إلا ذلك فلم يكن ما شهدوا به مدعى به بخلاف الشاهدين إذا أسندا ذلك لا يدل على نفيهما إياه في الحال لجواز قصدهما إلى الاحتراز عن الإخبار بما لا علم لهما به إذ لم يعلما سوى ثبوته في الماضي وقد يكون انتقل فيحترزان عنه وإن كان يثبت للحال بالاستصحاب .
وفي الخلاصة : nindex.php?page=treesubj&link=16031ادعى النقرة الجيدة وبين الوزن فشهدا على النقرة والوزن ولم يذكرا جيدة أو رديئة أو وسطا تقبل ويقضى بالرديء ، بخلاف ما لو nindex.php?page=treesubj&link=16135ادعى قفيز دقيق مع النخالة فشهدوا من غير نخالة أو منخولا فشهدوا غير المنخول لا تقبل .
وفيها أن من nindex.php?page=treesubj&link=16135ادعى على رجل ألفا من ثمن بيت فشهدوا على ألف من ضمان جارية غصبها وهلكت عنده لا تقبل ، وعن هذا ذكر في المسألة المسطورة وهي ما إذا nindex.php?page=treesubj&link=16135_16031شهدا بألف من ثمن جارية باعها منه فقال البائع إنه أشهدهما عليه بذلك والذي لي عليه ثمن متاع تقبل شهادتهما فقال في الخلاصة : هو محمول على أنهما شهدا على إقراره بذلك : أي إقرار المدعى عليه بثمن الجارية لأن بمثله في الإقرار تقبل لما سيأتي في المسألة المذكورة قبلها .
وفي الكفالة : إذا nindex.php?page=treesubj&link=16136_16033شهدوا أنه كفل بألف عن فلان ، فقال الطالب هو أقر بذلك لكن الكفالة كانت عن فلان آخر كان له أن يأخذه بالمال لأنهما اتفقا فيما هو المقصود فلا يضرهما الاختلاف في السبب . ومثله nindex.php?page=treesubj&link=16031ادعى أنه آجره دارا وقبض مال الإجارة ومات فانفسخت الإجارة وطلب مال الإجارة فشهدوا أن الآجر أقر بقبض مال الإجارة تقبل وإن لم يشهدوا على عقد الإجارة لأنهم شهدوا بالمقصود وهو استحقاق مال الإجارة ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=16031ادعى الدين أو القرض فشهدوا على إقراره بالمال تقبل .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=16033_16136شهد أحدهما به والآخر بالإقرار به فقد أطلق القبول في المحيط والعمدة . وقال قاضي خان : قالوا تقبل عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=16031_16068ادعى قرضا فشهدوا أن المدعي دفع إليه كذا ولم يقولوا وقبضها المدعى عليه يثبت قبضه كالشهادة على البيع فإن الشهادة على البيع شهادة على الشراء ، وإذا ثبت القبض بذلك يكون القول لذي اليد أنه قبض بجهة الأمانة فيحتاج إلى بينة على أنه بجهة القرض إن ادعاه .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=16133_16033ادعى أنه قضاه دينه فشهد أحدهما به والآخر بإقراره أنه قضاه لا تقبل ، ولو شهدوا جميعا بالإقرار به قبلت .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=16135ادعى شراء دار من رجل فشهدوا أنه اشتراها من وكيله لا تقبل ، وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=16031شهدوا أن فلانا باعها منه وهذا المدعى عليه أجاز البيع ادعى أنك قبضت من مالي جملا بغير حق مثلا وذكر سنه وقيمته فشهدوا [ ص: 436 ] أنه قبض من فلان غير المدعي تقبل ويجبر على إحضاره لأنه قال من مالي ولم يقل قبضت مني فلا يكون ما شهدا به يناقضه فيحضره ليشير إليه بالدعوى .
فإذا nindex.php?page=treesubj&link=16135_16140اختلف الشاهدان ووجد شرط القبول في شهادة أحدهما فقط وهو ما طابق الدعوى من الشاهدين فالواحد لا تقوم به الحجة للقاضي . وإنما قيد الاشتراط بحقوق العباد احترازا عن حقوق الله سبحانه ، فإن الدعوى مدع خاص غير الشاهد ليس شرطا لقبول الشهادة لأن حقه تعالى واجب على كل أحد القيام به في إثباته ، وذلك للشاهد من جملة من عليه ذلك فكان قائما في الخصومة من جهة الوجوب عليه وشاهدا من جهة تحمل ذلك فلم يحتج فيها إلى خصم آخر .