( سنة ) في الجملة مؤكدة لما صح من { ( والتعزية ) لأهل الميت صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم } ومن قوله { أنه صلى الله عليه وسلم مر على امرأة تبكي على صبي لها ، فقال لها اتقي الله واصبري ، ثم قال : إنما الصبر أي الكامل عند الصدمة الأولى } ويكره لأهل الميت الاجتماع بمكان لتأتيهم الناس للتعزية ، وجلوسه صلى الله عليه وسلم لما قتل ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة رضي الله عنهم يعرف في وجهه الحزن لا نسلم أنه كان لأجل أن يأتيه الناس ليعزوه .
ويسن أن يعزى بكل من يحصل له عليه وجد كما ذكره ، فشمل ذلك الزوج بزوجته والصديق بصديقه كما أفتى به الحسن البصري الوالد رحمه الله تعالى والسيد برقيقه كما صرح به ابن خيران ، وتعبيرهم بالأهل جرى على الغالب ، بل عموم كلامهم أنه يسن التعزية بالمصيبة يشمل التعزية بفقد المال ، وإن لم يكن رقيقا وإن كان كلام الفقهاء في التعزية بالميت ، ولا يعزي الشابة إلا محارمها أو زوجها كما قاله الشيخ ، وكذا من ألحق بهم في جواز النظر فيما يظهر .
أما تعزيتها للأجنبي فحرام قياسا على سلامها عليه ، واحترزنا بقولنا في الجملة عن بمثله فإنها جائزة لا مندوبة على ما يأتي فيه ، وهي لغة التسلية عمن يعزى عليه ، واصطلاحا الأمر بالصبر والحمل عليه بوعد الأجر والتحذير من الوزر بالجزع والدعاء للميت بالمغفرة وللمصاب بجبر المصيبة ، تعزية الذمي ; لأنه وقت شدة الجزع والحزن ( و ) لكن [ ص: 14 ] ( بعده ) أولى لاشتغالهم قبله بتجهيزه ، ولشدة حزنهم حينئذ بالمفارقة . وتسن ( قبل دفنه )
نعم إن اشتد جزعهم اختير تقديمها ليصبرهم وتمتد ( ثلاثة أيام ) تقريبا فتكره بعدها ; لأن الغرض منها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه فيها فلا يجدد حزنه ، وقد جعلها النبي نهاية الحزن بقولي له { } رواه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ، ومن هنا كان ابتداء الثلاث من الموت كما هو ظاهر كلام الروضة ، وبه صرح جمع منهم البخاري القاضي أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ والماوردي وابن أبي الدم والغزالي في خلاصته في شرح الكفاية وصاحب الكافي والإقناع وهو المعتمد ، والقول بأنه من الدفن مفرع على أن ابتداء التعزية منه أيضا لا من الموت ، فقول والصيمري المصنف في مجموعه وغيره : قال أصحابنا وقتها من الموت إلى الدفن وبعده بثلاثة أيام مراده به ما قلنا بقرينة قوله بعد قد ذكرنا أن مذهبنا استحبابها قبل الدفن وبعده ثلاثة أيام ، وبه قال ا هـ . أحمد
والذي قلناه هو قول كما اقتضاه كلام المستوعب وغيره للحنابلة ، هذا كله بالنسبة لحاضر ، أما عند غيبة المعزى أو المعزي أو مرضه أو حبسه أو عدم علمه كما بحثه أحمد الأذرعي وتبعه عليه ابن المقري في تمشيته ، وينبغي أن يلحق بها كل ما يشبهها من أعذار الجماعة فتبقى إلى القدوم والعلم وزوال المانع ، وبحث الطبري وغيره امتدادها بعد ذلك ثلاثة أيام ، وارتضاه الإسنوي وغيره ، وتحصل بالمكاتبة من الغائب ويلتحق به الحاضر المعذور لمرض ونحوه ، وفي غير المعذور وقفة ( ويعزى ) بفتح الزاي ( المسلم ) أي ( بالمسلم أعظم الله أجرك ) أي جعله عظيما ، وليس في ذلك دعاء بكثرة مصائبه فقد قال تعالى { يقال في تعزيته ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا } ( وأحسن عزاءك ) بالمد أي جعله حسنا وزاد على المحرر ( وغفر لميتك ) لكونه لائقا بالحال ، وقدم الدعاء للمعزى ; لأنه المخاطب ، ويستحب أن يبدأ قبله بما ورد من تعزية الخضر أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته : إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب ، وورد { بابن له بقوله : أعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر ورزقنا وإياك الشكر معاذا } ومن أحسنه كما في المجموع { أنه صلى الله عليه وسلم عزى } وقد أرسل ذلك صلى الله عليه وسلم لابنته لما أرسلت أخبرته أن ابنها في الموت ( و ) إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ( أعظم الله أجرك وصبرك ) وأخلف عليك أو جبر مصيبتك أو نحوه ، ذلك كما في الروضة كأصلها لكونه لائقا بالحال . يعزى المسلم أي يقال في تعزيته ( بالكافر ) الذمي
قال أهل اللغة : إذا احتمل حدوث مثل الميت أو غيره من الأموال يقال أخلف الله عليك بالهمز ; لأن معناه رد عليك مثل ما ذهب منك ، وإلا خلف عليك : أي كان الله خليفة عليك من فقده ، ولا يقول وغفر لميتك ; لأن الاستغفار للكافر حرام ( و ) يعزى ( الكافر ) أي المحترم جوازا ما لم يرج إسلامه وإلا فندبا بأن [ ص: 15 ] يقال في تعزيته ( بالمسلم غفر الله لميتك وأحسن عزاءك ) وقدم الدعاء هنا للميت ; لأنه المسلم فكان أولى بتقديمه تعظيما للإسلام والحي كافر ، ولا يقال أعظم الله أجرك ; لأن لا أجر له .
أما الكافر غير المحترم من مرتد وحربي فلا يعزى كما بحثه الأذرعي ، والأوجه كراهته كما هو مقتضى كلام خلافا الشيخ أبي حامد للإسنوي في المهمات .
نعم لو كان فيها توقيره لم يبعد حرمتها ولو لذمي ، هذا إن لم يرج إسلامه ، فإن رجي استحبت كما يؤخذ من كلام السبكي ولا يعزى به أيضا ، جوازا كما مرت الإشارة إليه ما لم يرج إسلامه ، وإلا فندبا بأن يقال : أخلف الله عليك ولا نقص عددك بنصبه ورفعه ; لأن ذلك ينفعنا في الدنيا بتكثير الجزية وفي الآخرة بالفداء من النار ، واستشكله في المجموع بأنه دعاء بدوام الكفر . ويعزى الكافر بالكافر
قال في المختار : تركه ومنعه ابن النقيب بأنه ليس فيه ما يقتضي البقاء على الكفر ، قال : ولا يحتاج إلى تأويله بتكثير الجزية ا هـ .
وظاهر أن قول المجموع إنه دعاء بدوام الكفر أنه دعاء بتكثير أهل الحرب ومن لازم كثرتهم امتداد بقائهم فامتداده مع الكفر فيه دوام له ، ومعنى قول ابن النقيب ليس فيه ما يقتضي البقاء على الكفر أنه لا يلزم من كثرة عددهم مع قطع النظر عن كونهم أهل ذمة بقاؤهم على الكفر ، فهو نظر إلى مدلول هذا اللفظ من غير قيد ، والمصنف نظر إليه بقيد يدل عليه السياق ويدل على ذلك التعليل السابق ، وكأنهم لم ينظروا لذلك في مثل هذا المقام ; لأن أحدا لا يتوهمه فضلا عن كونه يريده وإن دل عليه ما ذكر ، وظاهر أنه لا يسن تعزية مسلم بمرتد أو حربي ، بخلاف نحو محارب وزان محصن وتارك الصلاة وإن قتل حدا ، وينبغي للمعزى إجابة التعزية بنحو جزاك الله خيرا ولعلهم حذفوه لوضوحه