( وعلى المتمتع دم ) لقوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } والمعنى في إيجاب الدم كونه ربح ميقاتا ، إذ لو لكان يحتاج بعد فراغه من الحج إلى خروجه إلى أدنى الحل ليحرم بالعمرة ، وإذا تمتع استغنى عن الخروج لكونه يحرم بالحج من جوف كان أحرم بالحج أولا من ميقات بلده مكة ، والواجب شاة مجزئة في الأضحية أو ما يقوم مقامها من سبع بدنة أو سبع بقرة ، وكذا جميع الدماء الواجبة في الحج إلا جزاء الصيد كما سيأتي مبسوطا ( بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ) لقوله تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } إذ اسم إشارة للهدي والصوم عند فقده ، ولمن معناه على من ( وحاضروه من ) مساكنهم ( دون مرحلتين من مكة ) ; لأن المسجد الحرام المذكور في الآية ليس المراد حقيقته اتفاقا بل الحرم عند قوم ومكة عند آخرين ، وحمله على مكة أقل تجوزا من حمله على جميع الحرم ( قلت : الأصح من الحرم ، والله أعلم ) إذ كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم إلا قوله تعالى { فول وجهك شطر المسجد الحرام } فهو نفس الكعبة ، فإلحاق هذا بالأعم الأغلب أولى ، والقريب من الشيء يقال إنه حاضره ، قال تعالى { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } أي قريبة منه .
والمعنى في ذلك أنهم لم يربحوا ميقاتا : أي عاما لأهله ولمن مر به فلا يشكل بمن بينه وبين مكة أو الحرم دون مسافة القصر إذا عن له النسك ثم فاته وإن ربح ميقاتا بتمتعه لكنه ليس ميقاتا عاما لأهله ولمن مر به ، ولا يشكل أيضا بأنهم جعلوا ما دون مسافة القصر كالموضع الواحد في هذا ولم يجعلوه في مسألة الإساءة وهو إذا حتى لا يلزمه الدم كالمكي إذا أحرم من سائر بقاع كان مسكنه دون مسافة القصر من الحرم وجاوزه وأحرم كالموضع الواحد مكة بل ألزموه الدم وجعلوه مسيئا كالآفاقي ; لأن ما خرج عن مكة مما ذكر تابع لها والتابع لا يعطى حكم المتبوع من كل وجه ; ولأنهم عملوا بمقتضى الدليل في الموضعين ، فهنا لا يلزمه دم لعدم إساءته لعدم عوده ; لأنه من الحاضرين بمقتضى الآية ، وهناك يلزمه دم لإساءته بمجاوزته ما عين له بقوله في الخبر : ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة ، على أن المسكن المذكور كالقرية بمنزلة مكة في جواز الإحرام من سائر بقاعه وعدم جواز مجاوزته بلا إحرام لمريد النسك ، فلو اعتبر في كونه من الحاضرين أو غيرهم كثرة إقامته بأحدهما ، ثم إن استوت إقامته بهما اعتبر بالأهل والمال ، فإن كان [ ص: 327 ] أهله بأحدهما وماله بالآخر اعتبر بمكان الأهل ، ذكره كان للمتمتع مسكنان بعيد وقريب المحب الطبري .
قال والمراد بالأهل الزوجة والأولاد الذين تحت حجره دون الآباء والإخوة ، فإن استويا في ذلك اعتبر بعزم الرجوع إلى أحدهما للإقامة فيه ، فإن لم يكن له عزم فيما خرج منه ، قال في الذخائر : فإن لم يكن له عزم واستويا في كل شيء اعتبر بموضع إحرامه ، الحرم أو فيما بينه وبينه دون مسافة القصر حكم البلد الذي هو فيه ، ويلزم الدم آفاقيا تمتع ناويا الاستيطان ولغريب مستوطن في بمكة ولو بعد العمرة ; لأن الاستيطان لا يحصل بمجرد النية ، وعلله في الذخائر بأنه التزم بمجاوزة الميقات .
أما العود أو الدم في إحرام سنته فلا يسقط بنية الإقامة ( وأن تقع عمرته في أشهر الحج من سنته ) أي الحج فلو وقعت قبل أشهره وأتمها ولو في أشهره ثم حج لم يلزمه دم لعدم جمعه بينهما في وقت الحج فأشبه المفرد وأن يحج من عامه ، فمن لم يحج من عامه الذي اعتمر فيه لا دم عليه ، ولو ؟ أفتى كرر المتمتع العمرة في أشهر الحج فهل يتكرر الدم أم لا الريمي صاحب التفقيه الذي هو شرح التنبيه بالتكرر ، وأفتى بعض مشايخ الناشري بعدمه قال : وهو الظاهر ( وأن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات ) الذي أحرم منه للعمرة أو ميقات آخر ولو مكة من ميقات عمرته أو إلى مثل مسافة ميقاتها ، فإذا عاد إليه وأحرم منه بالحج لم يلزمه دم إذ المقتضي للزومه ربح ميقات وقد زال بعوده له ، وأفهم كلامه أنه لا يشترط لوجوب الدم نية التمتع ولا وقوع النسكين عن شخص واحد ولا بقاؤه حيا وهو كذلك ، ولو أقرب إلى مكة وأحرم خارجها ولم يعد إلى الميقات ولا إلى مسافته ولا إلى مكة لزمه دم أيضا للإساءة الحاصلة بخروجه من خرج المتمتع للإحرام بالحج من مكة بلا إحرام مع عدم عوده ، ومعلوم أن هذه الشروط المذكورة معتبرة لوجوب الدم والأشهر أنها غير معتبرة في تسميته تمتعا .