الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1387 58 - (حدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني ثمامة أن أنسا رضي الله عنه حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قد ذكرنا أن البخاري قطع هذا الحديث قطعا، فترجم لكل قطعة منها ترجمة، وهذا الإسناد بعينه قد ذكر غير مرة، ونفس لفظ الحديث هو عين الترجمة فلا مطابقة بينهما أقوى وأنسب من ذلك، وقد فسرنا ألفاظه.

                                                                                                                                                                                  وأما الحكم فيه فعامة الفقهاء على العمل به، فالمأخوذ في الصدقات العدل، وهو ما بين خيار المال ودونه، فإن كان المال كله معيبا يؤخذ الوسط منه، وهو قول الشافعي أيضا، وعند مالك: يكلف بسليم من العيب، وهو مشهور مذهبه، ويؤخذ في الصغيرة التي تبلغ سن الجذع، وعند أبي حنيفة والشافعي: إذا كانت كلها صغارا أو مراضا أخذ منها، ونحا إليه محمد بن عبد الحكم والمخزومي والماجشون ومحمد وأبو يوسف.

                                                                                                                                                                                  وقال مطرف: إن كانت عجافا أو ذوات عوار أو تيوسا أخذنها، وإن كانت مواحض أو أكولة أو سخالا لم تؤخذ منها.

                                                                                                                                                                                  وقال عبد الملك: يأخذ من ذلك كله إذا لم تكن فيها جذعة أو ثنية إلا أن تكون سخالا فلا يؤخذ منها.

                                                                                                                                                                                  وقال محمد بن الحسن: إن السخال والعجاجيل لا شيء فيها.

                                                                                                                                                                                  وتحقيق مذهب الحنفية في هذا الباب ما قاله صاحب الهداية: وليس في الفصلان والعجاجيل والحملان صدقة، وهذا آخر أقوال أبي حنيفة، وبه قال محمد بن الحسن والثوري والشعبي وداود وأبو سليمان، وكان يقول أولا: يجب فيها ما يجب في الكبار من الجذع والثنية، وبه قال زفر ومالك وأبو عبيد وأبو بكر من الحنابلة.

                                                                                                                                                                                  وفي المغني في الصحيح: ثم رجع وقال: تجب واحدة منها، وبه قال الأوزاعي وإسحاق ويعقوب والشافعي في الجديد، وصححوه، ثم رجع إلى ما ذكرناه آنفا، وروى عن الثوري أن المصدق يأخذ مسنة، ويرد على صاحب المال فضل ما بين المسنة والصغيرة التي هي في ماشيته، وهو وجه للحنابلة، وهنا قول آخر ضعيف جدا لم ينقل عن غير الحنابلة أنه يجب في خمس وعشرين من الفصلان واحدة منها، وفي ست وثلاثين واحدة منها، كسن واحدة منها مرتين، وفي ست وأربعين واحدة سنها مثل سن واحدة منها - ثلاث مرات - وفي إحدى وستين واحدة مثل سنها أربع مرات.

                                                                                                                                                                                  وفي شرح المهذب للنووي: إذا كانت الماشية صغارا أو واحدة منها في سن الفرض يجب سن الفرض المنصوص عليه عند الشافعي، وهو قول مالك وأحمد، فإن هلكت المسنة بعد الحول لا يؤخذ منها شيء في قول أبي حنيفة ومحمد، ويجعل تبعا لها في الوجوب والهلاك، فإذا هلكت بغير صنع أحد تجعل كأنها هلكت مع الصغار، وعند أبي يوسف: يجب تسعة وثلاثون جزءا من أربعين جزءا من حمل هو أفضلها، ويسقط فضل المسنة، كأن الكل كان حملانا وهلك منها حمل، وعند زفر: يجب مثلها من ثنية وسط، وإن هلكت الصغار وبقيت المسنة يجب فيها جزء من شاة وسط اتفاقا، ذكره الوبري.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية