الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1406 77 - (حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحيي ولا يسأل الناس إلحافا).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "ولا يسأل الناس إلحافا" ورجاله أربعة، وهو من الرباعيات.

                                                                                                                                                                                  قوله: "المسكين" مشتق من السكون وهو عدم الحركة، فكأنه بمنزلة الميت، ووزنه مفعيل.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن سيده: المسكين والمسكين، الأخيرة نادرة؛ لأنه ليس في الكلام مفعيل -يعني بفتح الميم- وفي الصحاح: المسكين الفقير، وقد يكون بمعنى المذلة والضعف، يقال: تسكن الرجل وتمسكن وهو شاذ، والمرأة مسكينة، وقوم مساكين ومسكينون، والإناث مسكينات.

                                                                                                                                                                                  والفقير مشتق من قولهم: فقرت له فقرة من مالي، والفقر والفقر ضد الغنى، وقدر ذلك أن يكون له ما يكفي عياله، وقد فقر فهو فقير والجمع فقراء والأنثى فقيرة من نسوة فقائر.

                                                                                                                                                                                  وقال القزاز: أصل الفقر في اللغة من فقار الظهر، كأن الفقير كسر فقار ظهره، فبقي له من جسمه بقية، قال القزاز: الفقر والفقر والفتح أكثر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "الأكلة والأكلتان" بضم الهمزة فيهما. وقال ابن التين: الأكلة ضبطها بعضهم بضم الهمزة بمعنى اللقمة فإن فتحتها كانت المرة الواحدة، وفي الفصيح لأحمد بن يحيى: الأكلة اللقمة والأكلة -بالفتح- الغذاء والعشاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ليس له غنى" زاد في رواية الأعرج "غنى يغنيه" قوله: "ويستحي" بالياءين وبياء واحدة، زاد في رواية الأعرج: "ولا يفطن به" وفي رواية الكشميهني: "له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس" وهو بنصب "يتصدق ويسأل".

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولا يسأل" ويروى: "وأن لا يسأل".

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني: كلمة "لا" زائدة في "وأن لا يسأل".

                                                                                                                                                                                  قوله: "إلحافا" أي إلحاحا، وقد مر تفسيره عن قريب.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال: يريد ليس المسكين الكامل؛ لأنه بمسألته يأتيه الكفاف، وإنما المسكين الكامل في أسباب المسكنة من لا يجد غنى ولا يتصدق عليه، أي ليس فيه نفي المسكنة بل نفي كمالها، أي: الذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها.

                                                                                                                                                                                  ومن فوائد هذا الحديث: حسن الإرشاد لموضع الصدقة وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح.

                                                                                                                                                                                  وفيه حسن المسكين الذي يستحي ولا يسأل الناس.

                                                                                                                                                                                  وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية