الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1408 (وعن أبيه، عن صالح، عن إسماعيل بن محمد أنه قال: سمعت أبي يحدث هذا، فقال في حديثه: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فجمع بين عنقي وكتفي، ثم قال: أقبل أي سعد إني لأعطي الرجل).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا طريق آخر في الحديث المذكور.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وعن أبيه" عطف على المذكور أولا في الإسناد، أي: قال يعقوب، عن أبيه إبراهيم، عن صالح بن كيسان، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني: فإن قلت: أبوه محمد فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة; إذ لا بد من توسط ذكر سعد حتى يصير مسندا متصلا.

                                                                                                                                                                                  قلت: لفظ هذا هو إشارة إلى قول سعد فهو متصل، وبهذا السند رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني، عن يعقوب، عن أبيه، عن صالح، عن إسماعيل بن محمد، قال: سمعت محمد بن سعد يحدث بهذا يعني حديث الزهري المذكور، فقال في حديثه: فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده بين عنقي وكتفي، ثم قال: "أقتالا أي سعد؟ إني لأعطي الرجل".

                                                                                                                                                                                  وفي الجمع للحميدي في أفراد مسلم، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن أبيه، عن جده بنحو حديث الزهري، عن عامر بن سعد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يحدث" هذا إشارة إلى قول سعد كما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في حديثه" أي في جملة حديثه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فجمع" بفاء العطف وفعل الماضي.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن التين: رواية أبي ذر "فجمع" وفي رواية غيره "جمع" بدون الفاء، ويروى: "فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فجمع بين عنقي وكتفي" قال ابن قرقول: أي: حيث يجتمعان، وكذلك مجمع البحرين حيث يجتمع بحر وبحر، وتوجيه هذه الرواية أن يكون لفظ "بين" اسما لا ظرفا، كقوله تعالى: لقد تقطع بينكم على قراء الرفع فيكون [ ص: 63 ] لفظ "مجمع" مضافا إليه.

                                                                                                                                                                                  ويروى: "فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده بجمع بين عنقي وكتفي "بالباء الجارة وضم الجيم وسكون الميم" ومحله نصب على الحال، تقديره: ضرب بيده حال كونها مجموعة، ويجوز في الكتف ثلاث لغات.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ثم قال" أي النبي صلى الله عليه وسلم: "أقبل" بفتح الهمزة أمر من الإقبال، أو بكسر الهمزة وفتح الباء من القبول، حسب الروايتين.

                                                                                                                                                                                  قال التيمي في "في بعضها" أقبل بقطع الألف كأنه لما قال ذلك تولى ليذهب، فقال له: أقبل لأبين لك وجه الإعطاء والمنع، وفي بعضها: بوصل الألف، أي اقبل ما أنا قائل لك، ولا تعترض عليه.

                                                                                                                                                                                  قلت: ويدل عليه باقي رواية مسلم: "أقتالا أي سعد؟" أي أتقاتل قتالا، أي: أتعارضني فيما أقول مرة بعد مرة كأنك تقاتل، وهذا يشعر أنه صلى الله عليه وسلم كره منه إلحاحه عليه في المسألة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أي سعد" يعني يا سعد "إني لأعطي" اللام فيه للتأكيد، وإنما أعطى الرجل ليتألفه ليستقر الإيمان في قلبه، وعلم أنه إن لم يعطه قال قولا أو فعل فعلا دخل به النار، فأعطاه؛ شفقة عليه، ومنع الآخر علما منه رسوخ الإيمان في صدره ووثوقا على صبره.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال: فيه الشفاعة للرجل من غير أن يسألها ثلاثا.

                                                                                                                                                                                  وفيه النهي عن القطع لأحد من الناس بحقيقة الإيمان، وأن الحرص على هداية غير المهتدي آكد من الإحسان إلى المهتدي.

                                                                                                                                                                                  وفيه الأمر بالتعفف والاستغناء وترك السؤال.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية