الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1464 وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يشم المحرم الريحان، وينظر في المرآة، ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا التعليق في شم المحرم الريحان وصله البيهقي بسند جيد إلى سفيان، حدثنا أيوب، عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم أن يشم الريحان وروى الدارقطني بسند صحيح عنه المحرم يشم الريحان، ويدخل الحمام، وينزع سنه، ويفقأ القرحة، وإن انكسر ظفره أماط عنه الأذى .

                                                                                                                                                                                  واختلف الفقهاء في الريحان، فقال إسحاق: يباح، وتوقف أحمد فيه.

                                                                                                                                                                                  وقال الشافعي: يحرم، وكرهه مالك، والحنفية، ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا، وروى ابن أبي شيبة عن جابر أنه قال: لا يشم المحرم الريحان، وروى البيهقي بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره شم الريحان للمحرم .

                                                                                                                                                                                  وعن أبي الزبير سمع جابرا يسأل عن الريحان أيشمه المحرم، والطيب، والدهن، فقال: لا.

                                                                                                                                                                                  وعن جابر: إذا شم المحرم ريحانا، أو مس طيبا أهراق لذلك دما.

                                                                                                                                                                                  وعن إبراهيم: في الطيب الفدية.

                                                                                                                                                                                  وعن عطاء: إذا شم طيبا كفر، وعنه: إذا وضع المحرم على شيء دهنا فيه طيب فعليه الكفارة، والريحان ما طاب ريحه من النبات كله سهليه وجبليه، والواحدة ريحانة، وفي (المحكم) الريحان أطراف كل بقلة طيبة الريح إذا خرج عليها أوائل النور، والريحانة طاقة من الريحان.

                                                                                                                                                                                  وأما النظر في المرآة، فقال النووي في (جامعه) رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن هشام بن حسان عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم، وروى ابن أبي شيبة عن ليث عن طاوس: لا ينظر.

                                                                                                                                                                                  وأما التداوي: قال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد الأحمر، وعباد بن العوام، عن أشعث، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقول: يتداوى المحرم بما يأكل.

                                                                                                                                                                                  وقال أيضا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إذا تشققت يد المحرم، أو رجلاه فليدهنهما بالزيت أو السمن، وروي أيضا من حديث ابن عمر: يتداوى المحرم بأي دواء شاء إلا دواء فيه طيب، وكان الأسود يضمد رجله [ ص: 154 ] بالشحم وهو محرم.

                                                                                                                                                                                  وعن أشعث بن أبي الشعثاء: حدثني من سمع أبا ذر يقول: لا بأس أن يتداوى المحرم بما يأكل، وفي رواية: حدثني مرة بن خالد، عن أبي ذر.

                                                                                                                                                                                  وعن معتب البجلي، قال: أصابني شقاق وأنا محرم، فسألت أبا جعفر، فقال: ادهنه بما تأكل، وكذا قاله ابن جبير، وإبراهيم، وجابر بن زيد، ونافع، والحسن، وعروة.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو بكر: حدثنا وكيع، حدثنا حماد، عن فرقد السبخي، عن ابن جبير، عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يدهن بالزيت عند الإحرام ، قال الزهري : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد، ولفظه: "بالزيت وهو محرم غير المقتت" قال أبو عيسى: المقتت المطيب.

                                                                                                                                                                                  (قلت): المقتت بضم الميم، وفتح القاف، وتشديد التاء الأولى المثناة من فوق.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يشم) بفتح الشين المعجمة على الأشهر، وحكي ضمها، وذكر في (الفصيح): بفتح الشين في المضارع، وكسرها في الماضي، والعامة تقول: شممت بالفتح في الماضي، وفي المستقبل بالضم، وهو خطأ، وعن الفراء وابن الأعرابي يقال: شممت أشم شممت أشم، والأولى أفصح، ويقال في مصدره: الشم والشميم، وتشممته تشمما.

                                                                                                                                                                                  وقال الزمخشري: وقد جاء في مصدره شميمي على وزن فعيلي كالخطيطي.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن درستويه: معنى الشم استنشاق الرائحة، وقد يستعار في غير ذلك في كل ما قارب شيئا أدنى منه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ويتداوى بما يأكل) أي: بالذي يأكل منه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (الزيت والسمن) بالجر فيهما، قال الكرماني: لأنه بدل، أو بيان لما يأكل.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن مالك بالجر، عطف على ما الموصولة، فإنها مجرورة بالباء، أعني في قوله: "بما" قيل: وقع بالنصب، وليس المعنى عليه; لأن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول، لكن يجوز على الاتساع.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لا حاجة إلى هذا التعسف، بل يكون منصوبا على تقدير أعني الزيت، والسمن عطف عليه، ويجوز الرفع فيهما على أن يكون الزيت خبر مبتدأ محذوف، أي: هو الزيت، والسمن عطف عليه.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية