( باب ) اللفظ . قال ( العام ) في اصطلاح العلماء . ( لفظ دال على جميع أجزاء ماهية مدلوله ) أي مدلول الطوفي - بعد أن ذكر للعام حدودا كلها معترضة - اللفظ إن دل . على الماهية من حيث [ ص: 344 ] هي هي . فهو المطلق كالإنسان ، أو على وحدة معينة . كزيد فهو العلم ، أو غير معينة كرجل فهو النكرة ، أو على وحدات متعددة . فهي إما بعض وحدات الماهية فهو اسم العدد . كعشرين رجلا ، أو جميعها فهو العام . فإذا هو اللفظ الدال على جميع أجزاء ماهية مدلوله وهو أجودها . فهذا الحد مستفاد من التقسيم المذكور ; لأن التقسيم الصحيح يرد على جنس الأقسام ، ثم يميز بعضها عن بعض بذكر خواصها التي تتميز بها . فيتركب كل واحد من أقسامه من جنسه المشترك ومميزه الخاص ، وهو الفصل . ولا معنى للحد إلا اللفظ المركب من الجنس والفصل . وعلى هذا فقد استفدنا من هذا التقسيم معرفة حدود ما تضمنه من الحقائق ، وهو المطلق والعلم والنكرة واسم العدد والعام فالمطلق : هو اللفظ الدال على الماهية المجردة عن وصف زائد .
والعلم : هو اللفظ الدال على وحدة معينة ، واسم العدد : هو اللفظ الدال على بعض وحدات ماهية مدلوله . والعام ما ذكرنا . انتهى . وقوله " فإن دل على الماهية من حيث هي هي " أي مع قطع النظر عن جميع ما يعرض لها من وحدة وكثرة وحدوث وقدم ، وطول وقصر ولون من الألوان . فهذا المطلق كالإنسان من حيث هو إنسان إنما يدل على حيوان ناطق لا على واحد ولا على غيره مما ذكر ، وإن كان لا ينفك عن بعض ذلك . وقال ومن وافقه : إنه اللفظ المستغرق لما يصلح له . وقيل : ما عم شيئين فصاعدا . وقال أبو الخطاب : ما دل على مسميات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقا ضربة ، أي دفعة . وقيل غير ذلك ابن الحاجب على الأصح ، كقولك : رأيت الأسود على الخيول ، فالمجاز هنا كالحقيقة في أنه قد يكون عاما . وقال بعض الحنفية : لا يعم بصيغته ; لأنه على خلاف الأصل ، فيقتصر به على الضرورة . ورد بأن المجاز ليس خاصا بحال الضرورة ، بل هو عند قوم غالب على اللغات . ( ويكون ) العام ( مجازا )
واستدل على مجازه بقوله صلى الله عليه وسلم { بالبيت صلاة . إلا أن الله أباح فيه الكلام } فإن الاستثناء معيار العموم . فدل على تعميم كون الطواف صلاة مجاز الطواف ; لأنه قسيمه ، وهو ( ما دل ) على ما وضع له دلالة ( أخص ) من دلالة ما هو أعم منه ( وليس ) هو من هذه الحيثية ( بعام ) إلا بالمحدود أولا ( ولا ) شيء ( أعم من متصور ) اسم مفعول ، أي لا أعم من شيء ممكن تخيل صورته في الذهن . فيتناول ذلك المعلوم والمجهول والموجود والمعدوم ( و ) لا شيء ( أخص من علم الشخص ) كزيد وهند ، ومثله الحاضر والمشار إليه بهذا ونحوه ( وكحيوان ) أي ومثل لفظ حيوان ( عام ) نسبي لأن الحيوان أعم من الإنسان والفرس والأسد وغير ذلك من الحيوانات ( خاص نسبي ) لأن الحيوان أخص من الجسم لشموله كل مركب ، ومن النامي لشموله النبات ، فكل لفظ بالنسبة إلى ما دونه عام ، وبالنسبة إلى ما فوقه خاص . ( والخاص ) [ ص: 345 ] بخلاف العام
قال ( ويقال للفظ عام وخاص ، وللمعنى أعم وأخص ) الكوراني في شرح جمع الجوامع : هذا مجرد اصطلاح لا يدرك له وجه سوى التمييز بين صفة اللفظ وصفة المعنى ، وقال القرافي : وجه المناسبة أن صيغة أفعل ، تدل على الزيادة والرجحان .
والمعاني أعم من الألفاظ ، فخصت بصيغة أفعل التفضيل . ومنهم من يقول فيها عام وخاص أيضا . ا هـ . ( والعموم ) بمعنى ( الشركة في المفهوم ) لا بمعنى الشركة في اللفظ ( من عوارض الألفاظ حقيقة ) إجماعا ، بمعنى أن كل لفظ عام يصح شركة الكثيرين في معناه ، لا أنه يسمى عاما حقيقة ، إذ لو كانت الشركة في مجرد الاسم لا في مفهومه لكان مشتركا لا عاما ، وبهذا يبطل قول من قال : إن العموم من عوارض الألفاظ لذاتها ( وكذا ) - على خلاف - يكون العموم من عوارض ( المعاني ) حقيقة ( في قول ) القاضي أبي يعلى وابن الحاجب ، ومن وافقهم . فيكون العموم موضوعا للقدر المشترك بينهما بالتواطؤ . والقول الثاني - وهو قول وأبي بكر الرازي الموفق والأكثر - إنه من عوارض المعاني مجازا لا حقيقة . والقول الثالث : أن العموم لا يكون في المعاني لا حقيقة ولا مجازا . ووجه القول الأول : أن حقيقة العام لغة شمول أمر لمتعدد ، وهو في المعاني : كعم المطر والخصب ، وفي المعنى الكلي لشموله لمعاني الجزئيات . واعترض [ ص: 346 ] على ذلك بأن المراد أمر واحد شامل . وعموم المطر شمول متعدد لمتعدد ; لأن كل جزء من الأرض يختص بجزء من المطر . ورد هذا بأن هذا ليس بشرط للعموم لغة ، ولو سلم فعموم الصوت باعتبار واحد شامل للأصوات المتعددة الحاصلة لسامعيه . وعموم الأمر والنهي باعتبار واحد ، وهو الطلب الشامل لكل طلب تعلق بكل مكلف . وكذا المعنى الكلي الذهني . وقد فرق طائفة بين الذهني والخارجي ، فقالوا : بعروض العموم للمعنى الذهني دون الخارجي . لأن وأبي محمد الجويني ، والخارجي لا يتصور فيه ذلك . لأن المطر الواقع في هذا المكان غير واقع في ذلك المكان ، بل كل قطرة منه مخصوصة بمكان خاص والمراد بالمعاني المستقلة كالمقتضى والمفهوم . أما المعاني التابعة للألفاظ : فلا خلاف في عمومها ; لأن لفظها عام العموم عبارة عن شمول أمر واحد لمتعدد أي يختص بها عند الأئمة الأربعة ( وللعموم صيغة تخصه ) والظاهرية وعامة المتكلمين . وهي ( حقيقة فيه ) أي في العموم ( مجاز في الخصوص ) على الأصح ; لأن كونها للعموم أحوط من كونها للخصوص .
وقيل : عكسه . وقيل : مشتركة بين العموم والخصوص . وقالت الأشعرية : لا صيغة للعموم . واستدل للقول الأول الذي في المتن بقول الإنسان : لا تضرب أحدا . وكل من قال كذا فقل له كذا عام قطعا . من حديث ولمسلم { أبي هريرة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } } ) وعن قالوا : فالحمر يا رسول الله ؟ قال : ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة ( { رضي الله عنهما { ابن عمر بني قريظة . فأدرك بعضهم العصر في الطريق . فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيها ، وقال بعضهم : بل نصلي ، لم يرد منا ذلك . فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم . فلم يعنف واحدا منهم } متفق عليه ، ولأن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الأحزاب قال : لا يصلين أحد العصر إلا في نوحا تمسك بقول الله تعالى { وأهلك } بأن ابنه من أهله ، وأقره الله سبحانه وتعالى وبين المانع ، واستدلال الصحابة والأئمة على حد كل سارق وزان بقوله سبحانه وتعالى [ ص: 347 ] { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } و { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } واعترض على ذلك بأن ، ثم الأخبار آحاد . رد بأن الأصل عدم القرينة ، ثم حديث العموم فهم من القرائن صريح ، وهي متواترة معنى . وأيضا صحة الاستثناء في قولك : أكرم الناس إلا الفساق ، . هو إخراج ما لولاه لدخل " بإجماع أهل العربية ، لا يصلح دخوله . وأيضا من دخل من عبيدي حر ، ومن نسائي طالق . أبي هريرة
يعم اتفاقا ، وكذا قولك مستفهما من جاءك ؟ عام ; لأنه موضوع للعموم اتفاقا . وليس بحقيقة في الخصوص . لحسن جوابه بجملة العقلاء ولتفريق أهل اللغة بين لفظ العموم ولفظ الخصوص ، وأيضا كل الناس علماء ، يكذبه كلهم ليسوا علماء ( ومدلوله ) أي العموم كلية ( أي محكوم فيه ) على ( كل فرد ) فرد بحيث لا يبقى فرد ( مطابقة ) أي دلالة مطابقة ( إثباتا وسلبا ) فقوله تعالى { فاقتلوا المشركين } بمنزلة قوله : اقتل زيدا المشرك وعمرا المشرك وبكرا المشرك إلى آخره ، وهو مثل قولنا : كل رجل يشبعه رغيفان . أي كل واحد على انفراده ( لا ) أن مدلول العموم ( كلي ) وهو ما اشترك في مفهومه كثيرون كالحيوان والإنسان ، فإنه صادق على جميع أفراده ( ولا كل ) أي ولا أن مدلول العموم على أفراده من باب دلالة الكل على جزئياته وهو الحكم على المجموع من حيث هو كأسماء العدد . ومنه كل رجل منكم يحمل الصخرة ، أي المجموع لا كل واحد ، ويقال : الكلية والجزئية والكلي والجزئي والكل والجزء ، ، وأسماء . الأعداد للكل ، وبعض العدد زوج للجزئية ، والأعلام للجزئي ، وما تركب من الزوج والفرد كالخمسة للجزء . فصيغة العموم للكلية ، والنكرات للكلي من أوجه أحدها : أن الكل متقوم بأجزائه ، والكلي متقوم بجزئياته . الثاني : أن الكل في الخارج والكلي في الذهن . الثالث : أن الأجزاء متناهية ، والجزئيات غير متناهية . الرابع : أن الكل محمول على أجزائه ، والكلي على جزئياته ( ودلالته ) أي والفرق بين الكل والكلي وهذا بلا نزاع ( و ) دلالته ( على كل فرد [ ص: 348 ] بخصوصه بلا قرينة ) تقتضي كل فرد فرد . كالعمومات التي لا يدخلها تخصيص . دلالة العموم ( على أصل المعنى ) دلالة ( قطعية )
نحو قوله تعالى { وهو بكل شيء عليم } { لله ما في السموات وما في الأرض } { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } دلالة ( ظنية ) عند الأكثر من أصحابنا وغيرهم . واستدل لذلك بأن التخصيص بالمتراخي لا يكون نسخا ، ولو كان العام نصا على أفراده لكان نسخا ، وذلك أن ترد تارة باقية على عمومها ، وتارة يراد بها بعض الأفراد ، وتارة يقع فيها التخصيص ومع الاحتمال لا قطع ، بل لما كان الأصل بقاء العموم فيها كان هو الظاهر المعتمد للظن . ويخرج بذلك عن الإجمال ، وإن صيغ العموم . فهو كالمجمل يجب التوقف فيه إلى ظهور المراد منه ( نحو قوله سبحانه وتعالى { اقترن بالعموم ما يدل على أن المحل غير قابل للتعميم لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } ) ذكره ابن العراقي